تفسير سورة المنافقين
مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين
[ ص: 1832 ] !!! لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكثر الإسلام فيها وعز، صار أناس من أهلها من الأوس والخزرج، يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ليبقى جاههم، وتحقن دماؤهم، وتسلم أموالهم، فذكر الله من أوصافهم ما به يعرفون، لكي يحذر العباد منهم، ويكونوا منهم على بصيرة، فقال: إذا جاءك المنافقون قالوا على وجه الكذب: نشهد إنك لرسول الله وهذه الشهادة من المنافقين على وجه الكذب والنفاق، مع أنه لا حاجة لشهادتهم في تأييد رسوله، فإن " الله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " في قولهم ودعواهم، وأن ذلك ليس بحقيقة منهم.
اتخذوا أيمانهم جنة أي: ترسا يتترسون بها من نسبتهم إلى النفاق.
فصدوا عن سبيله بأنفسهم، وصدوا غيرهم ممن يخفى عليه حالهم، إنهم ساء ما كانوا يعملون حيث أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، وأقسموا على ذلك وأوهموا صدقهم.
ذلك الذي زين لهم النفاق ( بـ ) سبب " أنهم " لا يثبتون على الإيمان.
بل آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم بحيث لا يدخلها الخير أبدا، فهم لا يفقهون ما ينفعهم، ولا يعون ما يعود بمصالحهم.
وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم من روائها ونضارتها، وإن يقولوا تسمع لقولهم أي: من حسن منطقهم تستلذ لاستماعه، فأجسامهم وأقوالهم معجبة، ولكن ليس وراء ذلك من الأخلاق الفاضلة والهدى الصالح شيء، ولهذا قال: كأنهم خشب مسندة لا منفعة فيها، ولا ينال منها إلا الضرر المحض، يحسبون كل صيحة عليهم وذلك لجبنهم وفزعهم وضعف قلوبهم، وريبها الذي في قلوبهم يخافون أن يطلع عليهم.
فهؤلاء هم العدو على الحقيقة، لأن العدو البارز المتميز، أهون من العدو الذي لا يشعر به، وهو مخادع ماكر، يزعم أنه ولي، وهو العدو المبين، فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون أي: كيف يصرفون عن الدين الإسلامي بعد ما تبينت أدلته، واتضحت معالمه، إلى الكفر الذي لا يفيدهم إلا الخسار والشقاء.
[ ص: 1833 ] وإذا قيل لهؤلاء المنافقين تعالوا يستغفر لكم رسول الله عما صدر منكم، لتحسن أحوالكم، وتقبل أعمالكم، امتنعوا من ذلك أشد الامتناع، و لووا رءوسهم امتناعا من طلب الدعاء من الرسول، ورأيتهم يصدون عن الحق بغضا له وهم مستكبرون عن اتباعه بغيا وعنادا، فهذه حالهم عندما يدعون إلى طلب الدعاء من الرسول، وهذا من لطف الله وكرامته لرسوله، حيث لم يأتوا إليه، فيستغفر لهم، فإنه سواء استغفر لهم أم لم يستغفر لهم فلن يغفر الله لهم، وذلك لأنهم قوم فاسقون، خارجون عن طاعة الله، مؤثرون للكفر على الإيمان، فلذلك لا ينفع فيهم استغفار الرسول، لو استغفر لهم كما قال تعالى: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين .