ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين
لما ذكر الله تعالى عبده وخليله، إبراهيم عليه السلام، وذكر ما من الله عليه به، من العلم والدعوة، والصبر، ذكر ما أكرمه الله به من الذرية الصالحة، والنسل الطيب. وأن الله جعل صفوة الخلق من نسله، وأعظم بهذه المنقبة والكرامة الجسيمة، التي لا يدرك لها نظير فقال:
(84) ووهبنا له إسحاق ويعقوب ابنه، الذي هو إسرائيل، أبو الشعب الذي فضله الله على العالمين.
كلا منهما هدينا الصراط المستقيم، في علمه وعمله.
ونوحا هدينا من قبل وهدايته من أنواع الهدايات الخاصة التي لم تحصل إلا لأفراد من العالم; وهم أولو العزم من الرسل، الذي هو أحدهم.
ومن ذريته يحتمل أن الضمير عائد إلى نوح، لأنه أقرب مذكور، ولأن الله ذكر مع من ذكر لوطا، وهو من ذرية نوح، لا من ذرية إبراهيم لأنه ابن أخيه.
ويحتمل أن الضمير يعود إلى إبراهيم لأن السياق في مدحه والثناء عليه، ولوط -وإن لم يكن من ذريته- فإنه ممن آمن على يده، فكان منقبة الخليل وفضيلته بذلك، أبلغ من كونه مجرد ابن له.
داود وسليمان بن داود وأيوب ويوسف بن يعقوب. وموسى وهارون ابني عمران، وكذلك كما أصلحنا ذرية إبراهيم الخليل، لأنه أحسن في عبادة ربه، وأحسن في نفع الخلق نجزي المحسنين بأن نجعل لهم من الثناء الصدق، والذرية الصالحة، بحسب إحسانهم.
وزكريا ويحيى ابنه وعيسى ابن مريم. وإلياس كل من [ ص: 489 ] هؤلاء من الصالحين في أخلاقهم وأعمالهم وعلومهم، بل هم سادة الصالحين وقادتهم وأئمتهم.
(86) وإسماعيل ابن إبراهيم أبو الشعب الذي هو أفضل الشعوب، وهو الشعب العربي، ووالد سيد ولد آدم، محمد صلى الله عليه وسلم. واليسع ويونس بن متى ولوطا بن هاران، أخي إبراهيم. وكلا من هؤلاء الأنبياء والمرسلين فضلنا على العالمين لأن درجات الفضائل أربع وهي التي ذكرها الله بقوله: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فهؤلاء من الدرجة العليا، بل هم على الإطلاق، فالرسل الذين قصهم الله في كتابه، أفضل ممن لم يقص علينا نبأهم بلا شك. أفضل الرسل
(87) ومن آبائهم أي: آباء هؤلاء المذكورين وذرياتهم وإخوانهم أي: وهدينا من آباء هؤلاء وذرياتهم وإخوانهم. واجتبيناهم أي: اخترناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم .
(88-89) ذلك الهدى المذكور هدى الله الذي لا هدى إلا هداه. يهدي به من يشاء من عباده فاطلبوا منه الهدى فإنه إن لم يهدكم فلا هادي لكم غيره، وممن شاء هدايته هؤلاء المذكورون. ولو أشركوا على الفرض والتقدير لحبط عنهم ما كانوا يعملون فإن فإذا كان هؤلاء الصفوة الأخيار، لو أشركوا -وحاشاهم- لحبطت أعمالهم فغيرهم أولى. الشرك محبط للعمل، موجب للخلود في النار.
(90) أولئك المذكورون الذين هدى الله فبهداهم اقتده أي: امش -أيها الرسول الكريم- خلف هؤلاء الأنبياء الأخيار، واتبع ملتهم وقد امتثل صلى الله عليه وسلم، فاهتدى بهدي الرسل قبله، وجمع كل كمال فيهم. فاجتمعت لديه فضائل وخصائص، فاق بها جميع العالمين، وكان سيد المرسلين، وإمام المتقين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وبهذا الملحظ، استدل بهذه من استدل من الصحابة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفضل الرسل كلهم.
قل للذين أعرضوا عن دعوتك: لا أسألكم عليه أجرا أي: لا أطلب منكم مغرما ومالا جزاء عن إبلاغي إياكم، [ ص: 490 ] ودعوتي لكم فيكون من أسباب امتناعكم، إن أجري إلا على الله.
إن هو إلا ذكرى للعالمين يتذكرون به ما ينفعهم، فيفعلونه، وما يضرهم، فيذرونه، ويتذكرون به معرفة ربهم بأسمائه وأوصافه. ويتذكرون به الأخلاق الحميدة، والطرق الموصلة إليها، والأخلاق الرذيلة، والطرق المفضية إليها، فإذا كان ذكرى للعالمين، كان أعظم نعمة أنعم الله بها عليهم، فعليهم قبولها والشكر عليها.