والحكم التالي يتعلق برضاع الأطفال بعد الطلاق..
إن دستور الأسرة لا بد أن يتضمن بيانا عن تلك العلاقة التي لا تنفصم بين الزوجين بعد الطلاق. علاقة النسل الذي ساهم كلاهما فيه، وارتبط كلاهما به; فإذا تعذرت الحياة بين الوالدين فإن الفراخ الزغب لا بد لها من ضمانات دقيقة مفصلة، تستوفي كل حالة من الحالات:
والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة. وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف. لا تكلف نفس إلا وسعها. لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده. وعلى الوارث مثل ذلك. فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما. وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم - إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف - واتقوا الله، واعلموا أن الله بما تعملون بصير ..
إن على الوالدة المطلقة واجبا تجاه طفلها الرضيع . واجبا يفرضه الله عليها ولا يتركها فيه لفطرتها وعاطفتها [ ص: 254 ] التي قد تفسدها الخلافات الزوجية، فيقع الغرم على هذا الصغير. إذن يكفله الله ويفرض له في عنق أمه.
فالله أولى بالناس من أنفسهم، وأبر منهم وأرحم من والديهم. والله يفرض لأنه سبحانه يعلم أن هذه الفترة هي المثلى من جميع الوجوه الصحية والنفسية للطفل.. للمولود على أمه أن ترضعه حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وتثبت البحوث الصحية والنفسية اليوم أن فترة عامين ضرورية لينمو الطفل نموا سليما من الوجهتين الصحية والنفسية. ولكن نعمة الله على الجماعة المسلمة لم تنتظر بهم حتى يعلموا هذا من تجاربهم.
فالرصيد الإنساني من ذخيرة الطفولة لم يكن ليترك يأكله الجهل كل هذا الأمد الطويل، والله رحيم بعباده.
وبخاصة بهؤلاء الصغار الضعاف المحتاجين للعطف والرعاية.
وللوالدة في مقابل ما فرضه الله عليها حق على والد الطفل : أن يرزقها ويكسوها بالمعروف والمحاسنة; فكلاهما شريك في التبعة; وكلاهما مسؤول تجاه هذا الصغير الرضيع، هي تمده باللبن والحضانة وأبوه يمدها بالغذاء والكساء لترعاه; وكل منهما يؤدي واجبه في حدود طاقته:
لا تكلف نفس إلا وسعها ..
ولا ينبغي أن يتخذ أحد الوالدين من الطفل سببا لمضارة الآخر :
لا تضار والدة بولدها، ولا مولود له بولده ..
فلا يستغل الأب عواطف الأم وحنانها ولهفتها على طفلها، ليهددها فيه أو تقبل رضاعة بلا مقابل. ولا تستغل هي عطف الأب على ابنه وحبه له لتثقل كاهله بمطالبها..
والواجبات الملقاة على الوالد تنتقل في حالة وفاته إلى وارثه الراشد :
وعلى الوارث مثل ذلك ..
فهو المكلف أن يرزق الأم المرضع ويكسوها بالمعروف والحسنى. تحقيقا للتكافل العائلي الذي يتحقق طرفه بالإرث، ويتحقق طرفه الآخر باحتمال تبعات المورث.
وهكذا لا يضيع الطفل إن مات والده. فحقه مكفول وحق أمه في جميع الحالات. وعندما يستوفى هذا الاحتياط.. يعود إلى استكمال حالات الرضاعة..
فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما ..
فإذا شاء الوالد والوالدة، أو الوالدة والوارث، أن يفطما الطفل قبل استيفاء العامين ; لأنهما يريان مصلحة للطفل في ذلك الفطام، لسبب صحي أو سواه، فلا جناح عليهما، إذا تم هذا بالرضى بينهما، وبالتشاور في مصلحة الرضيع الموكول إليهما رعايته، المفروض عليهما حمايته.
كذلك إذا رغب الوالد في أن يحضر لطفله مرضعا مأجورة ، حين تتحقق مصلحة الطفل في هذه الرضاعة، فله ذلك على شرط أن يوفي المرضع أجرها، وأن يحسن معاملتها:
وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف ..
فذلك ضمان لأن تكون للطفل ناصحة، وله راعية وواعية.
وفي النهاية يربط الأمر كله بذلك الرباط الإلهي.. بالتقوى.. بذلك الشعور العميق اللطيف الذي يكل إليه ما لا سبيل لتحقيقه إلا به:
واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير .. [ ص: 255 ] فهذا هو الضمان الأكيد في النهاية. وهذا هو الضمان الوحيد.