قرئ: يورث بفتح الراء والتخفيف على ما لم يسم فاعله.
وقرئ: بكسر الراء والتخفيف وقد سمي فاعله.
فمن كسر، نصب كلالة على المفعول به، وجعلها اسما للورثة، وجعل الفاعل للتوريث هو الرجل الميت، وجعل كان يعني وقع وحدث، فلا يحتاج إلى خبر.
ومن قرأ بفتح الراء، نصب كلالة على الحال من الضمير في يورث، وهو ضمير الرجل، وجعل الكلالة اسما للميت، وجعل كان يعني حدث.
ويحتمل أن يجعل كلالة خبرا لكان.
فلم يختلف العلماء في أن الكلالة اسم لمن لا ولد له، واختلفوا في أنه هل هو اسم لمن لا والد له؟ فقال قائلون: هو اسم لمن لا ولد له، فبنوا عليه أن أولاد الأم لا يرثون مع الأب، لأن الكلالة اسم لمن لا ولد له، فأما من له والد، فليس خارجا من الكلالة.
واعلم أن هذا يتصل به مسألة أخرى، وهو أن الله تعالى يقول: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة الآية. فجعل للأخوات من الأب والأم الثلثين، وللواحدة النصف، وذلك لا يتصور مع البنت والأب، وسمى الله تعالى ذلك كلالة فقال: يستفتونك [ ص: 359 ] قل الله يفتيكم في الكلالة ، فأطلق اسم الكلالة، ولا بد وأن يكون المعنى ها هنا: ليس له ولد ولا والد، فإن المذكور من الميراث لا يتصور إلا عند فقد الوالد والولد، ويدل على أن الكلالة اسم لمن لا والد له ولا ولد.
قوله تعالى: ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ، يقتضي أن يكون ذلك الباقي للأب، ثم قال: فإن كان له إخوة فلأمه السدس ، فلم يجعل للإخوة ميراثا مع الأب، فخرج الولد من الكلالة والوالد جميعا، لأنه لم يورثهم مع الأب، كما لم يورثهم مع الابن، والابنة أيضا ليست بكلالة كالابن، فلا جرم أولاد الأم يسقطن بها، لأنه تعالى فإن ترك بنتا أو ابنتين وإخوة وأخوات لأم فالبنت ليست بكلالة، فلا يستحق الأخوات الثلث. شرط في توريث أولاد الأم أن يكون الميت كلالة، أو الوارث كلالة،
واختلف أهل اللغة في اشتقاق الكلالة:
فمنهم من قال: هو من قوله: كلت الرحم إذا تباعدت، ولحت إذا قربت، يقال هو ابن عمي لحا، أي هو ابن أخي، وهو ابن عمي كلالة، أي من عشيرتي. قال الشاعر:
ورثتم قناة الملك لا عن كلالة عن ابني مناف عبد شمس وهاشم
يعني ورثتموها بالآباء لا بالإخوة والعمومة.
[ ص: 360 ] ويمكن أن يكون مأخوذا من الكلال وهو الإعياء، ومنه قولهم: مشى حتى كل: أي بعدت المسافة فطال سيره حتى كل، وكل البعير إذا طال الطريق حتى أعيا، وكل السيف إذا طال الضرب به، وكلت الرحم إذا ضعفت فطال نسبه، فتكون الكلالة من بعد النسب وبعد القرابة.
وقيل: أخذ من الإكليل المحيط بالرأس.
وروي عن في الكلالة بعد النسب وبعد القرابة روايتان مختلفتان، فتارة لا يجعل الوالد كلالة، وتارة كان يجعله كلالة. عمر
لما سأله عن الكلالة إلى آية الصيف. عمر ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم على
ولا شك أن لا يخفى عليه معنى الكلالة من جهة اللغة، وذلك يدل على أن معنى الكلالة شرعا غير مفهوم من الاسم لغة، ولذلك لم يجب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر عن سؤاله في معنى الكلالة، ووكله إلى استنباطه. عمر
وفي ذلك دليل على جواز تفويض الإجماع إلى آراء المستنبطين، كما فوضها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رأي عمر.
وفيه دلالة على بطلان قول من يقول: لا يجوز استنباط معاني القرآن، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ ص: 361 ] فإن ذلك إنما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن قال فيه بما سنح في وهمه، وخطر على باله، من غير استدلال عليه بالأصول، وإن من استنبط معناه بحمله على الأصول المحكمة المتفقة فهو ممدوح. "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ"،
بقيت ها هنا دقيقة أخرى وهي خاتمة النظر، وذلك أن الجد من حيث كان أصل النسب خارج عن الكلالة كالأب والابن، وعليه بنى العلماء سقوط أولاد الأم به، لأن الله تعالى شرط في ميراثهم عدم الولد والوالد، وفقد الأصل والفرع، ولا يتحقق ذلك مع الجد، وموضع اشتقاق الكلالة يقتضيه أيضا.
ولأجل ذلك قلنا إن آية الصيف تدل أيضا على أن الجد خارج، فإن الله تعالى شرط في وراثة الأخت نصف التركة أن تكون كلالة، فلا جرم لا ترث النصف مع الجد ولا الأخ يرثها مع الجد بل يقاسمها، والله تعالى إنما شرط الكلالة في استحقاق النصف فقط وذلك مشروط بعدم الجد.
ويدل عليه أن الكلالة لا تتناول البنت، والأخت ترث مع البنت، إلا أنها لا ترث على الوجه المذكور في آية الصيف وهو النصف، وإنما ترث الباقي من نصيب البنت، فهذا تمام معنى آية الكلالة، وقد وردت في آية الصيف عدة أخبار تركنا ذكرها للاستغناء عنها في فهم معنى الآية.
ومما استنبطه العلماء من آية الكلالة بعد فهم معناها مسألة المشركة، وقد اختلف فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فروي عن إسقاط أولاد الأب والأم، وروي عن علي زيد التشريك.
[ ص: 362 ] ولا شك أن ظاهر قوله تعالى: فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ، يتناول أولاد الأم جملة، وقوله: فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك ، يتناولهم من جهة الأب لا من جهة الأم، فتعين الجمع بين الاثنتين، فمتى أمكن التوريث بقرابة الأبوة، وجبت مراعاتها لقوله تعالى: إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد ، معناه يرثها بقرابة الأبوة، وإن لم يكن التوريث بقرابة الأبوة، وجب اتباع ظاهر قوله: فهم شركاء في الثلث ، فأخذنا حكم التشريك والتعصيب من الآيتين الواردتين في حق الكلالة، وذلك بين.
نعم إذا فرضنا زوجا وأما، وأخا من أم، وإخوة من أب وأم، فلولد الأم السدس، والسدس الباقي بين أولاد الأب والأم، لأن قوله تعالى: وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ، ينفي التوريث بالفرض ما أمكن التوريث بالعصوبة، فإذا أمكن توريث بالعصوبة، وجب اتباع الآية الأخرى.
ومن يخالف هذا المذهب يقول: إنما جعل الله تعالى الإخوة شركاء في الثلث مبنيا على قوله تعالى: فلكل واحد منهما السدس ، ولا يتصور استحقاق السدس ها هنا، فتقدير الآية: للواحد السدس وللاثنين الثلث، ولا يتصور ذلك في ولد الأب والأم، فعند ذلك يضعف التعليق بالظاهر من حيث الاسم، ويبقى التعليق من حيث المعنى، وهو أنه لما جعلت قرابة الأمومة مورثة، وقد وجدت العلة المورثة في حق الأب والأم، فينجر الكلام عند ذلك إلى طريق المعنى.
[ ص: 363 ] وإذا ثبت الاستنباط من الكلام في مسألة المشركة، فالأخت مع البيت عصبة عند جماهير العلماء.
وقيل لابن عباس إن وابن الزبير: عليا وعبد الله وزيدا يجعلون الأخوات مع البنات عصبة، فقال: "أنتم أعلم أم الله؟"، يقول الله عز وجل: إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ، فجعل لها النصف عند عدم الولد، فكيف تجعلون لها مع الولد النصف؟
وعامة العلماء يرون معنى الآية: إن امرؤ هلك ليس له ولد ذكر، ولذلك قال: وهو يرثها يعني الأخ، ولا شك أن الأخ يرث مع البنت.
ومثله قوله تعالى: ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ، ومعناه عند الجميع: إن كان له ولد ذكر.
ولا خلاف بين الصدر الأول ومن بعدهم من الفقهاء، أنه لو ترك ابنة وأبوين، أن للبنت النصف وللأبوين السدسان والباقي السدسان والباقي للأب، ولو ترك ابنة وأبا فللبنت النصف وللأب النصف، وقد أخذ في هاتين المسألتين مع الولد أكثر من السدس.
والسر في ذلك أن الذي تأخذه الأخت بعد أصحاب الفرائض، ليس هو النصف الذي كان مفروضا لها، إذا لم يكن ولد، فإن ذلك فرض، وهذا مأخوذ بالتعصيب، لأنها عصبة فتأخذ الباقي، فتارة يكون الباقي نصفا، وتارة أقل من ذلك، وربما ترك الميت ابنتين فصاعدا فتأخذ الأخت ما بقي بعد الثلثين، وربما كان مع الأخت أخواتها، فيأخذون جميع ما يبقى، فعلم به أن الذي تأخذه الأخت في هذا الموضع، إنما تأخذه بمعنى غير المعنى الذي كان فرض لها مع البنت.
[ ص: 364 ] فإذا كان المعنى الذي تأخذ به في هذا الموضع غير ذلك المعنى، لم يدخل أحد المعنيين على الآخر، وكان لكل واحد منهما معنى حكم على جهته.
نعم بنت الابن لا تستحق الباقي بعد بنتي الصلب، لأن الجهة واحدة في البنت وبنت الابن، وأما الجهة فمختلفة ها هنا.
وليس يمكن إسقاط أولاد الابن، مع مشابهتهم لأولاد الصلب في تعصيب الأخت وغيره، وإعطاء الأبعد، وليس يمكن الترتيب في الفرض، فدعت الضرورة إلى تعصيبهن، هذا تمام ما يقال في هذا الباب.
فإن قال قائل: فهلا قلتم لابنة الابن ما يبقى بعد بنتي الصلب؟ وإن بنت الابن في ذلك أولى من ابن ابن العم البعيد، فإنها تدلي ببنوة الميت، وابن العم يدلي ببنوة جد الميت، وشتان ما بينهما، فإن قلتم: لا شيء لها، علم أن ذا الفرض لا يصير عصبة، مخافة صرف المال إلى من هو أبعد منه في القرابة، فكذلك الإلزام في الأخت من الأب مع الأختين للأب والأم، فإنه لا يصرف إليها الباقي بعد الثلثين بحكم العصوبة، تقديما لقرابتها على قرابة ابن ابن العم، وهذا سؤال حسن.
والجواب عنه: أن السبب في ذلك أن الله تعالى شرع فرض البنات جملة واحدة، سواء كن بنات صلبه أو بنات ابنه، فجعل غاية حقهن الثلثين، وجعل غاية حق الأخوات سواء كن لأم وأب أو لأب الثلثين، [ ص: 365 ] ودل عليه مطلق قوله تعالى: ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك إلى قوله: فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك الآية، فوقعت الفريضة لهم جملة، لأنهم جميعا ولد الميت أو ولد أبي الميت، فإذا كان ذلك كمال حقهم من التركة، يقع الكلام منهم بعضهم مع بعض في البداية ببعضهم على بعض، فإذا استوفى الأخوات للأب وللأم حصصهم، كان الباقي للعصبة لأنهم يقولون لأولاد الأب: سواء علينا كنتم لأب وأم، أم كنتم لأب وقد استوفى فرض الأخوات، فليس لكن بعده شيء؟ وإن كان هناك أخ لأب سقط كلام العصبة، لأن الإخوة يقولون: أنتم لا حق لكم مع أخ لأب بوجه، فإنه ذكر عصبة لا يأخذ ما يأخذه بفرض الإناث.
السؤال: على هذا من أوجه:
أحدها: أنه إن صار نصيب الأخوات من الأب مستوفى في فريضة الأخوات للأب والأم وليس يبقى بعد ذلك لهن حق في الميراث، فلم تأخذ الأخت للأب مع أخيها ، وهلا قال لها الأخ: قد صارت حصتك مستوفاة في ميراث الأخت للأب والأم، فلا حق لك أصلا بوجه من الوجوه، فلا جرم صار إلى أن الباقي للأخ دون الأخت. ابن مسعود
وأبى ذلك غيره حتى قال زيد بن ثابت: هذا من قضاء أهل الجاهلية. أي إنهم كانوا يورثون الذكور دون الإناث.
إلا أن يقول: أنا أورث الإناث، ولكن نصيبهم مستوفى في ميراث أولاد الأب والأم، فهذا تمام هذا القول في الاعتراض. ابن مسعود
الوجه الثاني في الاعتراض، أن قول القائل إن ميراث أولاد الأب [ ص: 366 ] صار مستوفى لا وجه له، فإن حقهم لا يصير مستوفى لغيرهم، وكل من يحجب شخصا، لا يقال صار ميراثه مستوفى للحاجب، بل يقال: لا ميراث للمحجوب مع الحاجب، فإذا تقرر ذلك فالثلثان لأولاد الأب والأم وبنات الابن معهن، ويبقى النظر بعد ذلك في أنهم حجبوا بمن فوقهم، فلم يحرمون من دونهم مثل مسألتنا سواء؟
الوجه الثالث: أنه لو جاز أن يقال هذا، جاز أن يقال: إن ميراث أولاد الأب شبيه بميراث أولاد الميت في الثلثين والنصف، وتعصيب الأخ للأخت، فيمكن أن يقال من أجل ذلك إنه ميراث الولادة، إلا أنه ولادة أب الميت، ولذلك تشابه الميراث، فإذا أخذت البنات الثلثين، صار حق الأولاد مستوفى على أبلغ الوجوه وهو ولادة الميت، وميراث أولاد أبي الميت من جنس ذلك بلا شك، فيصرف الفاضل إلى العصبة.
الجواب عن السؤال الأول: أن الأخت إنما تأخذ مع أخيها بجهة أخرى غير الجهة التي يستحق بها الأخوات الفرض، كما تأخذ بنت الابن مع ابن الابن ما يبقى، وإن وجد بنتا الابن.
فإن قلت: فلم يعصبها أخوها كما يعصب ابن الابن أخته؟ ولعل المعنى فيه أنها تقول نحن استوينا في القرب، وإنما لك فضل بالذكورة، فالمال بيننا على تلك النسبة، إذ يبعد أن يأخذه الأبعد في الدرجة بحكم البنوة، أو من في درجتها وهي لا تأخذ.
أو يقال: إن قوة عصوبة الابن اقتضت فعصبت أخته، وقد بعدت تلك القوة إلى أولاد الأب وإن تقاصرت عنه في بعض الوجوه، فكان التعصيب لهذا المعنى، وإذا ثبت التعصيب اختلفت الجهة، فلم يكن توفية ميراث الأخوات بالفرض مانعا جهة أخرى يستحق بها الميراث، وهذا بين.
والجواب عن الفصل الثاني، وهو قولهم إن ميراث أولاد الأب [ ص: 367 ] لا يصير مستوفى، فإنهم محجوبون، وإنما ذلك حق أولاد الأب والأم، فالأمر كذلك على بعض الوجوه، غير أن الذي قلنا إنه ليس لأولاد الأب الإناث أكثر من هذا القدر الصحيح، والذي قالوه ثالثا إنه ليس لأولاد الأب إلا ما يشبه ميراث الأولاد، فهو الكلام الواقع، وما ذكروه من تشابه الميراثين فكمثل، ولكن مع هذا إذا فرضنا بنتا وأختا، لم نقل إن الأخت تأخذ مكملة الثلثين، مثل ما يقال في الأخت من الأب مع الأخت من الأب والأم، وذلك يدل على وجه على افتراق الميراثين.
واعلم أن هذا كله تعلل، والأصل فيه التوقيف، وهو ما روى هزيل ابن شرحبيل سئل عن رجل ترك ابنته وابنة ابنه وأخته لأبيه وأمه. فقال: لبنته النصف، وما بقي فللأخت من الأب والأم. وقال: ائت أبا موسى الأشعري فسيقول مثل ما قلت، فسأل ابن مسعود عن ذلك وأخبره بما قال ابن مسعود فقال أبو موسى، وكيف أقول ما قال ابن مسعود: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت من الأب والأم. أبو موسى أن
وروى أبو حسان عن الأسود بن يزيد الكوفي، أن وهو على معاذ بن جبل اليمن ورث مال رجل توفي وترك ابنته وأخته، فجعل للابنة النصف ولأخته النصف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي يومئذ.
وروى عن الأعمش عن إبراهيم قال: كان الأسود يقول في بنت وأخت: المال للبنت، فقلت له: إن ابن الزبير قضى فينا باليمن للبنت النصف وللأخت النصف الباقي، فقال معاذا فأنت رسولي إلى ابن الزبير، ابن [ ص: 368 ] عتبة -وكان قاضيه على الكوفة- مره فليأخذ بذلك، فترك قوله لما جاءه ما لم يمكن دفعه . ابن الزبير