قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به الآية (36) :
يدل على أن لأنه أشرك به شيئا، وترك الإخلاص، ولأجله قال علماؤنا: من أتى بطاعة لغير الله، لا تقع عن جهة القربة،
من توضأ أو اغتسل لتبرد أو تنظيف، لم يكن له أن يصلي به، لأنه أشرك به شيئا.
فإذا خرج الفعل عن كونه لله، فلم يكن قربة، ولذلك قلنا:
إذا أحس بداخل في الركوع وهو إمام لم ينتظره، لأنه يخرج ركوعه بانتظاره عن كونه لله خالصا، ثم قال تعالى:
[ ص: 454 ] وبالوالدين إحسانا .
فأوجب الله تعالى طاعة الوالدين في غير معصية الخالق، ولا يعني بطاعة الوالدين أن يكون لهما صرف منافع بدنه بعد البلوغ إلى ما شاء، وتكليفهما أفعالا، وإنما هو على ما ذكره الله تعالى:
إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما الآية..
وليس للوالدين منع الولد من الأسفار للتجارة والزيارة وطلب الفوائد.
نعم يكره له أن يجاهد دون إذنهما، فإن في ذلك تغريرا بالمهجة.
ومن تعظيم الوالدين أن لا يقتله الولد، إلا إذا كان محاربا كافرا.
ثم ذكر الجار ذا القربى، وهو الجار الذي له حق القرابة، والجار الجنب، للبعيد منك نسبا، إذا كان مؤمنا، فيجتمع حق الجوار والإيمان، وورد في حق الجار أخبار عدة.
والصاحب بالجنب: قيل هو الرفيق في السفر، وقيل هو الجار الملاصق، وخصه الله تعالى بالذكر تأكيدا لحقه على الجار غير الملاصق.
والجار لفظ مجمل يتردد بين معاني، فقد يقال لأهل المحلة جيران، ولأهل الدرب جيران. وجعل الله تعالى الاجتماع في مدينة جوارا، قال الله تعالى:
[ ص: 455 ] لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة إلى قوله: ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا .
فجعل اجتماعهم في المدينة جوارا.
والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة، وكف الأذى والمحاماة دونه.
وابن السبيل: هو المسافر ينزل عندك فتكرمه وتضيفه.
وما ملكت أيمانكم : هو الإحسان إليه بالإنفاق، وكسوته ومراعاته بالمعروف.
هذا هو الأصل، فجمعت الآية أمورا منها الندب، ومنها الواجب.