قوله تعالى : ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ، الآية \ 58.
قال المفسرون : هذا في الإماء، فأما في العبيد فلا، لأنه ذكر بلفظ مذكر، بناء على لفظ المماليك المتناول للرجال والنساء، ولو حملناه على العبد البالغ، استوى في وجوب الاستئذان هذه الأوقات وغيرها، من حيث يحرم عليه أن ينظر إلى عورة سيده وبدن سيدته، ولو حمل على ما دون البلوغ، حصلت فائدته في قوله : والذين لم يبلغوا الحلم ، إلا أنه يقال بين اتفاق حال الفريقين في ذلك، ودل على صحة ذلك بقوله : [ ص: 321 ] وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ، الآية \ 59.
ذكر أن إسماعيل بن إسحاق كان يقول : "ليستأذنكم الذين لم يبلغوا الحلم مما ملكت أيمانكم"، وذلك يوافق ما قلناه. ابن عباس
وروي أن نفرا سألوا عن هذه الآية فقال : إن الله غفور رحيم، رفيق بالمؤمنين، يحب السترة، وكان الناس لا سترة لبيوتهم، فربما دخل الخادم أو اليتيمة، والرجل مع أهله في الخلوة، فأمرهم الله تعالى بالاستئذان في تلك العورات. ابن عباس
وإنما خص الله تعالى هذه الأوقات، لأنها في الغالب يخلو فيها المرء بأهله. ولذلك قال : ثلاث عورات لكم ، فنبه به على أنها أوقات تكشف العورة فيها وفي مثلها لا يجوز لمن ليس ببالغ أن يدخل ويهجم.
فأما في سائر الأوقات، فالعادة أن يكون المرء مستترا عادلا عن التكشف، فجائز للخدم والصغار أن يدخلوا بلا إذن، لأنه كالمحتاج إليهم من حيث لا يستغني عنهم في خدمة الدار، ولذلك وصفهم الله تعالى بأنهم : طوافون عليكم ، كما " لما صعب التحرز منها. قال عليه السلام في الهرة : "إنها من الطوافين عليكم
ولو جرت عادة قوم بالتكشف في غيرها من الأوقات، فذلك الوقت كهذه الأوقات في منع من لم يبلغ الحلم من الدخول بلا إذن، ولو جرت عادة قوم في الأوقات الثلاثة بالتستر، فالأوقات الثلاثة كغيرها.