ولما كان ذلك موضع تعجب يكون سببا لأن يقال: من أين يكون ذلك الغنى؟ أجاب بقوله: قاتلوا أي: أهل الأموال والغنى الذين لا يؤمنون بالله أي: الذي له جميع صفات الكمال إيمانا هو على ما أخبرت به عنه رسله، ولو آمنوا هذا الإيمان ما كذبوا رسولا من الرسل، وأيضا فالنصارى مثلثة وبعض اليهود مثنية ولا باليوم الآخر أي: كذلك، وأقل ذلك أنهم لا يقولون بحشر الأجساد ولا يحرمون ما حرم الله أي: الملك الأعلى الذي له الأمر كله ورسوله أي: من الشرك وأكل الأموال بالباطل وغير ذلك وتبديل التوراة والإنجيل ولا يدينون أي: يفعلون ويقيمون، اشتق من الدين فعلا ثم أضافه إلى صفته إغراقا في اتخاذه بذلك الوصف فقال: دين الحق أي: الذي أخذت عليهم رسلهم العهود والمواثيق باتباعه، ثم بين الموصول مع صلته فقال: من الذين ودل على استهانته سبحانه بهم وبراءته [ ص: 435 ] منهم بأن بنى للمفعول قوله: أوتوا الكتاب أي: من اليهود والنصارى ومن ألحق بهم حتى يعطوا الجزية أي: وهي فعله من جزى يجزي. ما قرر عليهم في نظر سكناهم في بلاد الإسلام آمنين،
إذا قضى ما عليه عن يد أي: قاهرة إن كانت يد الآخذ أو مقهورة إن كانت يد المعطي، من قولهم: فلان أعطى بيده وهم صاغرون ففي ذلك غنى لا يشبه ما كنتم فيه من قتال بعضكم لبعض لتغنم ما في يده من ذلك المال الحقير ولا ما كنتم تعدونه غنى من المتاجر التي لا يبلغ أكبرها وأصغرها ما أرشدناكم إليه مع ما في ذلك من العز الممكن من الإصلاح والطاعة وسترون، وعبر باليد عن السطوة التي ينشأ عنها الذل والقهر؛ لأنها الآلة الباطشة، فالمعنى: عن يد قاهرة لهم، أي: عن قهر منكم لهم وسطوة بأفعالهم التي أصغرتهم عظمتها وأذلتهم شدتها، قال : يقال لكل من أعطى شيئا كرها عن غير طيب نفس: أعطاه عن يد. انتهى. أبو عبيدة
وعبر ب: "عن" التي هي للمجاوزة؛ لأن الإعطاء لا يكون إلا بعد البطش المذل، هذا إذا أريد باليد يد الآخذ، ويمكن أن يراد بها يد المعطي، وتكون كناية عن النفس لأن مقصود الجزية المال، واليد أعظم أسبابه، فالمعنى: حتى يعطي كل واحد منهم الجزية عن نفسه.