ولما ختم هذه الآيات - التي الإذن للمظلومين في القتال للظالمين - بصفة الحلم، فكان ذلك مخيلة لوجوب العفو عن حقوق العباد كما في شريعة عيسى عليه الصلاة والسلام، نفى ذلك بقوله إذنا للمجاهرين فيمن أخرجهم من ديارهم أن يخرجوه من دياره ويذيقوه بعض ما توعده الله به من العذاب المهين: ذلك أي الأمر المقرر من صفة الله تعالى ذلك ومن عاقب من العباد بأن [ ص: 79 ] أصاب خصمه، لمصيبة يرجو فيها العاقبة بمثل ما عوقب أي عولج علاج من يطلب حسن العاقبة به من أي معاقب كان فلم يتجاوز إلى ظلم ثم بغي أي من أي باغ كان عليه بالعود إلى خصومته لأخذه حقه.
ولما كان ما يحصل للمبغي عليه بالكسر عودا على بدء من الذل والهوان مبعدا لأن ينجبر، أكد وعده فقال: لينصرنه الله أي الذي لا كفؤ له.
ولما قيد ذلك بالمثلية، وكان أمرا خفيا، لا يكاد يوقف عليه، فكان ربما وقعت المجاوزة خطأ، فظن عدم النصرة لذلك، أفهم تعالى أن المؤاخذة إنما هي بالعمد، بقوله; ويجوز أن يكون التقدير ندبا إلى العفو بعد ضمان النصر: إن الله لعزيز حكيم، ومن عفا وأصلح فقد تعرض لعفو الله عن تقصيره، ومغفرته لذنوبه، فهو احتباك: ذكر النصرة دليل العزة والحكمة، وذكر العفو منه سبحانه دليل حذف العفو من العبد إن الله أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلما لعفو أي عمن اقتص ممن ظلمه أول مرة غفور لمن اقتص ممن بغى عليه.