ولما كان مما قالوه أن الذي أعطاه ذلك إنما هو الله ، وكان قد [ ص: 354 ] أبطرته النعمة [حتى] على خالقه حتى حصل التشوف إلى جوابه فقيل في أسلوب التأكيد لأن كل أحد يعلم من نفسه العجز ، وأن غيره ينكر عليه فيما يدعي أنه حصله بقوته : قال إنما أوتيته أي : هذا المال على علم حاصل عندي فأنا مستحق لذلك ، وذلك العلم هو السبب في حصوله ، لا فضل لأحد علي فيه -بما يفيده التعبير بإنما- وبناء الفعل للمجهول إشارة إلى عدم علمه بالمؤتى من هو ، وقد قيل : إن ذلك العلم هو الكيمياء.
ولما كان التقدير : ألا يخاف أن يسلبه الله - عقوبة له على هذا - علمه وماله [ونفسه]؟ ألم يعلم أن ذلك إنما هو بقدرة الله؟ لا صنع له في الحقيقة في ذلك أصلا ، لأن الله قد أفقر من هو أجل منه حيلة وأكثر علما ، وأعطى أكثر منه من لا علم له ولا قدرة ، فهو قادر على إهلاكه ، وسلب ما معه وإفنائه ، كما قدر على إيتائه ، عطف عليه قوله منكرا عليه : أولم يعلم أن الله أي : بما به من صفات الجلال والعظمة والكمال قد أهلك ونبه على أنه لم يتعظ مع مشاهدته للمهلكين الموصوفين مع قرب الزمان بإدخال من في قوله : من قبله ولو حذفها لاستغرق الإهلاك على ذلك الوصف جميع ما تقدمه من [ ص: 355 ] الزمان من القرون أي : الذين هم في الصلابة كالقرون من هو أشد منه أي : قرون قوة أي : في البدن ، والمعاني من العلم وغيره ، والأنصار والخدم وأكثر جمعا في المال والرجال ، آخرهم فرعون الذي شاوره في ملكه ، وحقق أمره يوم [مهم] هلكه ، وكان يستعبده أمثاله ويسومهم سوء العذاب ، ولم يعاملهم معاملة من يحبه ولا امتنع عليه ذلك لعلم عند أحد منهم ولا جمع ، بل أخذهم لبغيهم وقبح تقلبهم وسعيهم.
ولما كانت عادة أهل الدنيا أنهم إذا غضبوا من أحد فأرادوا إهلاكه عاتبوه ، فتارة يحلف على نفي الذنب فيقبل منه وإن كان كاذبا ، وتارة يكشف الحال عن [أن] باطن أمره على خلاف ما ظهر من شره ، فيكون له عذر خفي ، أشار سبحانه إلى أن ذلك لا يفعله إلا جاهل بحقائق الأمور ومقادير ما يستحق على كل ذنب من العقوبة ، وأمل المطلع على بواطن الضمائر وخفايا السرائر فغني عن ذلك ، فقال تعالى ذاكرا لحال المفعول وهو من ولا أي : أهلكهم والحال أنهم لا يسألون - هذا الأصل- ولكنه قال : يسأل أي : من سائل ما عن ذنوبهم المجرمون فأظهر لإفادة أن ، وهو قطع ما ينبغي [ ص: 356 ] وصله بوصل ما ينبغي قطعه . الموجب للإهلاك الإجرام