[ ص: 425 ]
أتيتك عاريا خلقا ثيابي ... على خوف تظن بي الظنون
فألفيت الأمانة لم تخنها
... كذلك كان نوح لا يخون
قال إن ابن الفرات: رضي الله عنه قال لما قيل له إن عمر قائلهما: هو أشعر شعرائكم. النابغة
ولما كان الخائن أكثر من الأمين أضعافا مضاعفة، وكانت النفس بما أودع فيها من الشهوات والحظوظ محل النقائص، قال تعالى: وحملها الإنسان أي أكثر الناس والجن، فإن الإنسان الإنس، والإنس والأناس الناس، وقد تقدم في ولا تبخسوا الناس أشياءهم في الأعراف أن الناس يكون من الإنس ومن الجن، وأنه جمع إنس وأصله أناس، والإسناد إلى الجنس لا يلزم منه أن يكون كل فرد منه كذلك، فهو هنا باعتبار الأغلب، وفي التعبير به إشارة إلى أنه لا يخون إلا من [هو في] أسفل الرتب لم يصل إلى حد النوس.
ولما كان الإنسان - لما له بنفسه [من الأنس] وفي صفاته [من] العشق، وله من العقل والفهم - يظن أنه لا نقص فيه، علل ذلك بقوله مؤكدا: إنه على ضعف قوته وقلة حيلته كان [ ص: 426 ] أي في جبلته إلا من عصم الله ظلوما يضع الشيء في غير محله كالذي في الظلام لما غطى من شهواته على عقله، ولذلك قال: جهولا أي فجهله يغلب على حلمه فيوقعه في الظلم، فجعل كل من ظهور ما أودعه الله في الأكوان وكونه في حيز الإمكان كأنه عرض عليها كل من حمله وبذله كما أنه جعل تمكين الإنسان من كل من إبداء ما اؤتمن عليه وإخفائه كذلك.