ولما كان الإخبار بعدم عقلهم دعوى دل عليها بأمر مشاهد فقال: كمثل أي قصتهم في عدم فقههم بل عقلهم الذي نشأ عنه إخراجهم هذا وما سببه من مكرهم وغدرهم واعتمادهم على ابن أبي ومن معه من المنافقين كمثل قصة الذين من قبلهم ولما كان إدخال الجار مع دلالته على عدم استغراق زمان القبل يدل على قرب الزمن، صرح به فقال: قريبا وهم كما قال رضي الله عنهما ابن عباس بنو قينقاع من أهل دينهم اليهود أظهروا بأسا شديدا عندما قصدهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر فوعظهم وحذرهم بأس الله فقالوا: لا يغرنك يا محمد أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم، وأما والله لو قاتلتنا لعلمت أنا نحن الناس، ثم مكروا بامرأة من المسلمين فأرادوها [ ص: 454 ] على كشف وجهها فأبت فعقدوا طرف ثوبها من تحت خمارها، فلما قامت انكشفت سوأتها فصاحت فغار لها شخص من الصحابة رضي الله عنهم، فقتل اليهودي الذي عقد ثوبها فقتلوه، فانتقض عهدهم، فأنزل النبي صلى الله عليه وسلم بساحتهم جنود الله فأذلهم الله ونزلوا من حصنهم على حكمه صلى الله عليه وسلم وقد كانوا حلفاء ابن أبي، ولم يغن عنهم شيئا غير أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم [في] أن لا يقتلهم وألح عليه حتى كف عن قتلهم فذهبوا عن المدينة الشريفة بأنفسهم من غير حشر لهم بالإلزام بالجلاء.
ولما كان كأنه قيل: ما [كان] خبرهم؟ قال: ذاقوا وبال أي وخامة وسوء عاقبة أمرهم [في الدنيا] وهو كفرهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحزبه الذين [هم حزب] الله، وسماه أمرا لأنه مما ائتمروا فيه ولهم أي في الآخرة عذاب أليم أي شديد الإيلام،