ولما هز إلى تقواه تارة بالخوف وأخرى بالحياء تأكيدا لها، وعلل ذلك بما له شعبة [من التحذير]، وكان الإنسان لما له من النسيان أحوج إلى التحذير، قال مؤكدا لشعبته وإيضاحا لأن التقوى الثانية لمحاسبة النفس في تصفية العمل: ولا تكونوا أيها المحتاجون إلى التحذير وهم الذين آمنوا كالذين نسوا الله [أي] أعرضوا عن أوامره ونواهيه وتركوها ترك الناسين لمن برزت عنه مع ما له من صفات الجلال والإكرام لما استغواهم به من أمره الشيطان حتى أبعدهم جدا عن العمران فأنساهم أي فتسبب عن ذلك أن أنساهم بما له من [ ص: 460 ] الإحاطة بالظواهر والبواطن أنفسهم فلم يقدموا لها ما ينفعها وإن قدموا شيئا كان مشوبا بالمفسدات من الرياء والعجب، فكانوا مما قال فيه. سبحانه وتعالى وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية لأنهم لم يدعوا بابا من أبواب الفسق فإن رأس الفسق الجهل بالله، ورأس العلم ومفتاح الحكمة معرفة النفس، فأعرف الناس بنفسه أعرفهم بربه "من عرف نفسه فقد عرف ربه" .
ولما كانت ثمرة ذلك أنهم أضاعوها - أي التقوى - فهلكوا قال: أولئك أي البعيدون من كل خير هم أي خاصة دون غيرهم الفاسقون أي العريقون في المروق من دائرة الدين.