ولما تم الدليل على أن لما أيدهم به في هذه الحياة الدنيا من النصر والشدة على الأعداء واللين والمعاضدة للأولياء وسائر الأفعال الموصلة إلى جنة المأوى، وصرح في آخر الدليل حزب الله هم المفلحون فعلم أن لهم مع هذا الهوان عذاب النيران، وكان المغرور بعد هذا بالدنيا الغافل عن الآخرة لأجل شهوات فانية وحظوظ زائلة عاملا عمل من يعتقد أنه لا فرق [بين] الشقي بالنار [ ص: 461 ] والسعيد بالجنة لتجشمه التجرع لمرارات الأعمال المشتملة عليها، أنتج ذلك قوله منزلا لهم منزلة الجازم بذلك أو الغافل عنه تنبيها لهم على غلطهم وإيقاظا من غفلتهم: بخسران حزب الشيطان لا يستوي أي بوجه من الوجوه أصحاب النار التي هي محل الشقاء الأعظم وأصحاب الجنة التي هي دار النعيم الأكبر لا في الدنيا ولا في الآخرة وهي من أدلة أنه لا يقتل مسلم بكافر.
ولما كان نفي الاستواء غير معلم في حد ذاته بالأعلى من الأمرين، كان هذا السياق معلما بما حفه من القرائن بعلو أهل الجنة، صرح به في قوله: أصحاب الجنة هم أي خاصة الفائزون المدركون لكل محبوب الناجون من كل مكروه، وأصحاب النار هم الهالكون في الدارين كما وقع في هذه الغزوة لفريقي المؤمنين وبني النضير ومن والاهم من المنافقين، فشتان ما بينهما.