ولما كان المراد منه صلى الله عليه وسلم الثبات للنبوة ومن أمته الثبات في الاقتداء به في العمل والأمر والنهي، وكان ذلك في غاية الصعوبة، وكان الإنسان عاجزا إلا بإعانة مولاه، وكان العون النافع إنما يكون لمن صفت نفسه عن الأكدار وأشرقت بالأنوار، وكان ذلك إنما يكون بالاجتهاد في خدمته سبحانه، علل هذا الأمر بقوله مبينا للقرآن الذي أمر بقراءته ما هو وما وصفه، معلما أن التهجد يعد للنفس من القوى ما به يعالج المشقات، مؤكدا لأن الإتيان بما هو خارج عن جميع أشكال الكلام لا يكاد يصدق: إنا أي بما لنا من العظمة سنلقي أي قريبا بوعد لا خلف فيه فتهيأ لذلك بما يحق له.
ولما كان المقام لبيان الصعوبة، عبر بأداة الاستعلاء فقال: [ ص: 10 ] عليك وأشار إلى اليسر مع ذلك إشارة إلى " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " بالتعبير بما تدور مادته على اليسر والخفة فقال: قولا يعني القرآن ثقيلا أي لما فيه من التكاليف الشاقة من [جهة -] حملها وتحميلها للمدعوين لأنها تضاد الطبع وتخالف النفس، ومن جهة رزانة لفظه لامتلائه بالمعاني مع جلالة معناه وتصاعده في خفاء فلا يفهمه المتأمل ويستخرج ما فيه من الجواهر إلا بمزيد فكر وتصفية سر وتجريد نظر، فهو ثقيل على الموافق من جميع هذه الوجوه وغيرها، وعلى المخالف من جهة أنه لا يقدر على رده ولا يتمكن من طعن فيه بوجه مع أنه ثقيل في الميزان وعند تلقيه وله وزن وخطر وقدر عظيم، روي في الصحيح: "قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه الوحي يفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا في اليوم الشاتي الشديد البرد، وكان - إذا أنزل عليه الوحي وهو راكب على ناقته وضعت جرانها فلا تكاد تتحرك حتى يسري عنه القشيري: وروي عن رضي الله عنهما ابن عباس أن وهو راكب فبركت [ ص: 11 ] ناقته من ثقل القرآن وهيبته، سورة الأنعام نزلت عليه جملة واحدة وهو مع ثقله على الأركان خفيف على اللسان سهل التلاوة والحفظ على الإنسان.