كم ليلة فيك وصلنا السرى ... لا نعرف الغمض ولا نستريح [ ص: 16 ] واختلف الأصحاب ماذا الذي
... يزيح من شكواهم أو يريح
فقيل تعريسهم ساعة
... وقلت بل ذكراك وهو الصحيح
ولما ذكر مطالع الأنوار، لأنها المقصود لما لها من جلي الإظهار، ووحد لأنه أوفق لمقصود السورة الذي هو محطة لانجماح المدلول عليه بالتزمل، أتبعه مقابله فقال: والمغرب أي الذي يكون عنه الليل والذي هو محل السكن وموضع الخلوات ولذيذ المناجاة، فلا تغرب شمس ولا قمر ولا نجم إلا بتقديره سبحانه، وإذا كان رب ما فيه هذه الصنائع التي هي أبدع ما يكون كان رب ما دون ذلك.
ولما علم بهذا أنه المختص بتدبير الكائنات، المتفرد بإيجاد الموجودات، كان أهلا لأن يفرد بالعبادة وجميع التوجه فقال مستأنفا: لا إله أي معبود بحق إلا هو أي ربك الذي دلت تربيته لك على مجامع العظمة وأنهى ولما علم تفرده سبحانه كان الذي ينبغي لعباده أن لا يوجه [أحد -] منهم شيئا من رغبته لغيره فلذلك سبب عنه قوله: صفات الكمال والتنزه عن كل شائبة نقص. فاتخذه أي خذه بجميع جهدك وذلك بإفرادك إياه بكونه تعالى وكيلا أي على كل من خالفك بأن تفوض جميع أمورك إليه فإنه يكفيكها كلها ويكلؤها [ ص: 17 ] غاية الكلاية فإنه المتفرد بالقدرة عليها، ولا شيء أصلا في يد غيره، فلا تهتم بشيء أصلا، وليس ذلك بأن يترك الإنسان كل عمل، فإن ذلك طمع فارغ بل بالإجمال في طلب كل ما ندب الإنسان إلى طلبه، ليكون متوكلا في السبب لا من دون سبب، فإنه يكون حينئذ كمن يطلب الولد من غير زوجة، وهو مخالف لحكمة هذه الدار المبنية على الأسباب، ولو لم يكن [في -] إفراده بالوكالة إلا أنه يفارق الوكلاء بالعظمة والشرف والرفق من جميع الوجوه فإن وكيلك من الناس دونك وأنت تتوقع أن يكلمك كثيرا في مصالحك وربك أعظم العظماء وهو يأمرك أن تكلمه كثيرا في مصالحك وتسأله طويلا ووكيلك من [ الناس - ] إذا حصل مالك سألك الأجرة وهو سبحانه يوفر مالك ويعطيك الأجر، ووكيلك من الناس ينفق عليك من مالك وهو سبحانه يرزقك وينفق عليك من ماله، ومن تمسك بهذه الآية عاش حرا كريما، ومات خالصا شريفا، ولقي الله تعالى عبدا صافيا مختارا تقيا، ومن شرط الموحد أن يتوجه إلى الواحد ويقبل على الواحد ويبذل له نفسه عبودية ويأتمنه على نفسه ويفوض إليه أموره ويترك التدبير ويثق به ويركن إليه ويتذلل لربوبيته، ويتواضع لعظمته ويتزين ببهائه ويتخذه عدة لكل نائبة دنيا وآخرة.