ولما كان التقدير: فاجتهد في التهجد، عطف عليه قوله حاثا على حضور الفكر: واذكر اسم ربك أي المحسن إليك والموجد والمدبر لك بكل ما يكون ذكرا من اسم وصفة وثناء وخضوع وتسبيح وتحميد وصلاة وقراءة ودعاء وإقبال على علم شرعي وأدب مرعي ودم على ذلك، فإذا عظمت الاسم بالذكر فقد عظمت المسمى بالتوحيد [ ص: 14 ] والإخلاص، وذلك عون لك على مصالح الدارين، أما الآخرة فواضح، وأما الدنيا فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أعز الخلق عليه ابنته رضي الله عنها لما سألته خادما يقيها التعب إلى فاطمة التسبيح والتحميد والتكبير عند النوم.
ولما كان الذكر قد يكون مع التعلق بالغير، أعلم أن الذاكر في الحقيقة إنما هو المستغرق فيه سبحانه وبه يكون تمام العون فقال: وتبتل أي اجتهد في قطع نفسك عن كل شاغل، والإخلاص في جميع أعمالها بالتدريج قليلا قليلا، منتهيا: إليه ولا تزل على ذلك حتى يصير لك ذلك خلقا فتكون نفسك كأنها منقطعة بغير قاطع ومقطعة تقطيعا كثيرا بكل قاطع، فيكون التقدير - بما أرشد إليه المصدر "تبتلا" وبتلها تبتيلا فأعلم بالتأكيد بالمصدر المرشد إلى الجمع بين التفعل والتفعيل بشدة الاهتمام وصعوبة المقام، وهو من البتل وهو القطع، صدقة بتلة أي مقطوعة عن صاحبها، ولذلك قال التبتل رفض الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله تعالى، والبتول زيد بن أسلم: مريم عليها السلام لانقطاعها إلى الله تعالى، عن جميع خلقه، وكذا البتول أيضا لانقطاعها عن قرين ومثيل ونظير، فالمراد [ ص: 15 ] بهذا هو المراد بكلمة التوحيد المقتضية للإقبال عليه والإعراض عن كل ما سواه، وذلك بملازمة الذكر وخلع الهوى، والآية من الاحتباك وهو ظاهر: ذكر فعل التبتل دليلا على حذف مصدره، وذكر مصدر بتل دليلا على حذف فعله. فاطمة الزهراء