ولما كان ذلك ربما تعنت به المتعنت في خلق الأفعال، قال نافيا [ ص: 296 ] لاستقلالهم ومثبتا للكسب: وما تشاءون أي أيها الخلائق الاستقامة إلا أن يشاء الله أي الملك الأعلى الذي فادعوه مخلصين له الدين يشأ لكم ما يرضيه فيوفقكم إليه، وعن وهب بن منبه أنه قال: الكتب التي أنزلها الله على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بضع وتسعون كتابا قرأت منها بضعا [وثمانين - ] كتابا فوجدت فيها: لا حكم لأحد سواه مشيئتكم، وإن لم يشأها لم تقدروا على مشيئة، - انتهى. من جعل إلى نفسه شيئا من المشيئة فقد كفر
ومن تأمل هذه الآية أدنى تأمل علم أن كلام المعتزلة بعدها في القدر دليل على أن الإنسان إذا كان له هوى لا يرده شيء أصلا " ومن يضلل الله فما له من هاد " .
ولما وصف نفسه سبحانه بأنه لا يخرج شيء عن أمره، أتبع ذلك الوصف بما هو كالعلة لذلك فقال: رب العالمين أي الموجد لهم والمالك والمحسن إليهم والمربي لهم وهو أعلم بهم منهم، فلأجل ذلك لا يقدرون إلا على ما قدرهم عليه، ويجب على كل منهم طاعته والإقبال بالكلية عليه سبحانه وتعالى وشكره استمطارا [للزيادة- ] ، مما ذكر [ ص: 297 ] أول السورة لإقامة الساعة لأجل حساب الخلائق، والإنصاف بينهم بقطع كل العلائق، كما يفعل كل رب مع من يربيه فكيف بأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين! فقد التقى طرفاها على أشرف الوجوه وأجلاها، وانتظم أول الانفطار بما له من بديع الأسرار، فالتكوير كالانشقاق والتفطير، والانكدار مثل التساقط والانتشار، والله سبحانه هو أعلم بالصواب. فلهذه الربوبية صح تصرفه في الشمس وما تبعها