ولما كانت الهجرة شديدة؛ وكان ربما تركها بعض الأقوياء واعتل بالضعف؛ وربما ظن القادر مع المشقة أنه ليس بقادر; نفر من ذلك بالإشارة إليهم بأداة البعد؛ فقال: فأولئك ؛ ولما كان لله - سبحانه وتعالى - أن يفعل ما يشاء؛ لا يجب عليه شيء؛ [ ص: 375 ] ولا يقبح منه شيء؛ بل له أن يعذب الطائع؛ وينعم العاصي؛ ويفعل ويقول ما يشاء؛ لا يسأل عما يفعل ؛ أحل هؤلاء المعذورين محل الرجاء؛ إيذانا بأن ترك الهجرة في غاية الخطر؛ فقال: عسى الله ؛ أي: المرجو؛ والخليق؛ والجدير من الملك؛ المحيط بأوصاف الكمال؛ أن يعفو عنهم ؛ أي: ولو آخذهم لكان له ذلك؛ وكل ما جاء في القرآن من نحو هذا فهو للإشارة إلى هذا المعنى؛ وقول - رضي الله (تعالى) عنهما -: "إن "عسى"؛ من الله واجبة"؛ معناه أنه مع أن له أن يفعل ما يشاء؛ لا يفعل إلا ما يقتضيه الحكمة؛ على ما يستصوبه منهاج العقل السليم؛ ابن عباس وكان الله ؛ أي: الملك الذي له كل شيء؛ فلا اعتراض عليه؛ أزلا؛ وأبدا؛ عفوا ؛ أي: يمحو الذنب؛ إذا أراد؛ فلا يعاقب عليه؛ وقد يعاتب عليه؛ غفورا ؛ أي: يزيل أثره أصلا؛ ورأسا؛ بحيث لا يعاقب عليه؛ ولا يعاتب؛ ولا يكون بحيث يذكر أصلا؛ ولعل العفو راجع إلى الرجال؛ والغفران إلى النساء والولدان.