[ ص: 344 ]
وتسمى الأساس والمقشقشة وقل هو الله أحد.
مقصودها بيان الحقيقة الذات الأقدس ببيان سورة الإخلاص على صحيح الاعتقاد للإخلاص في التوحيد بإثبات الكمال، ونفي الشوائب النقص والاختلال، المثمر لحسن الأقوال والأفعال، وثبات اللجاء والاعتماد في جميع الأحوال، وعلى ذلك دل اسمها الإخلاص الموجب للخلاص، وكذا الأساس والمقشقشة، قال في القاموس: المقشقشتان الكافرون والإخلاص أي المبرئتان من النفاق والشرك كما يقشقش الهناء الجرب، الهناء: القطران، وقال اختصاصه بالاتصاف بأقصى الكمال للدلالة في كتابه الواعي: كما يبرئ المريض من علته إذا برئ منها - انتهى. وهو مأخوذ من القش بمعنى الجمع، فسميتا بذلك لأنها تتبعنا النفاق بجميع أنواعه، وكذا الشرك والكفر، فجمعتاه ونفتاه عن قارئهما حق القراءة، وقد تقدم الكلام على هذا الاسم مبسوطا في براءة وكذا اسمها الإمام عبد الحق قل هو الله أحد دال على مقصودها بتأمل جميع السورة وما دعت إليه من [ ص: 345 ] معاني التبرئة اليسيرة الكثيرة، وهذه السورة أعظم مفيد للتوحيد في القرآن، قال الرازي : والتوحيد مقام يضيق عنه نطاق النطق لأنك إذا أخبرت عن الحق فهنالك مخبر عنه ومخبر به مجموعهما، وذلك ثلاث، فالعقل يعرفه ولكن النطق لا يصل إليه، سئل عن التوحيد فقال: معنى تضمحل [فيه -] الرسوم وتتشوش فيه العلوم ويكون الله كما لم يزل وقال الجنيد أيضا: الجنيد ما قاله أشرف كلمة في التوحيد رضي الله عنه: سبحانه من لم يجعل لخلقه سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته. " بسم الله " الذي له جميع الكمال بالجلال والجمال " الرحمن " الذي أفاض من طوله على جميع الموجودات عموم الأفضال " الرحيم " الذي خص أهل وداده من نور الإنعام بالإتمام والإكمال. الصديق
لما كانت الكوثر علة للنهي عما تضمنه التكذيب من مساوئ الأفعال، وعلم بها أنه صلى الله عليه وسلم مختص بالخير المستلزم لأن شانئه هو الأبتر، فكان موضع السؤال عما يفعل مع الشانئين من معاركه أو متاركة، جاءت الكافرون للمتاركة لقلة أهل الدين إذ ذاك، [إشارة -] إلى أن هذه الدار مبنية على الأسباب، فعلم بالكافرون أن الشانئ [مما -] لا يعبأ به، فتحركت النفس إلى سؤال عن وقت الصلاحية [ ص: 346 ] للمعاركة بعد هذه التاركة، وما يترتب على المعاركة من قهر الشانئ بالفعل، فجاءت سورة النصر لذلك الإشارة إلى أنه [مما -] لا يسأل عنه بمتى، لتغبير ذلك في وجه الإحسان في التسليم، وإنما يسأل عما يفعل عندوعه من الإحسان في التعبد، معبرا بأداة التحقق إعلاما بأنه آت لا محالة، فالسؤال عن وقته ليس من دأب السائرين. ولما ظهرت ذخائر هذه الكنوز بدقائق تلك الرموز، وما انضم إليها من القرائن الظاهرة، استحضرت حال أبي لهب لما كان فيه مع قرابته القريبة من شدة العناد، والاجتهاد العظيم في كل ما يضاد أشرف العباد. [واشتد -] التشوف إلى انقلاب حاله إذ ذاك هل يكون بما ختمت به النصر من التوبة أو بخذلانه وانقلابه بأعظم الخيبة والحوبة؟ فجاءت سورته لذلك بينا لأنه غلب عليه الشقاء فنزل به في دركاته مانعا من معالي درج الارتقاء، فلما بين سبحانه بذلك إهلاكه عدوه صلى الله عليه وسلم، وختم بأعدى أعدائه فحكم بهلاكه، وهلاك زوجه هلاكا لا جبر له على وجه مبين أنه في أدنى دركات الحقارة، وأعظم أنواع الخسارة، فرقص الفكر طربا من هذه الأمور، وسكر اللب من عجائب المقدور، واهتز [ ص: 347 ] السامع غاية الاهتزاز إلى وصف الفاعل لذلك الذي هو خارج عن طوق البشر، وخارق للعوائد، وهو إظهار شخص واحد على الناس كافة مع شدة عداوتهم له، جاءت الإخلاص كاشفة لما ثبت من العظمة لولي النبي صلى الله عليه وسلم سبحانه وتعالى الذي أمره بهذا الدين وفعل له هذه [الأمور -] العظيمة الموجبة لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، لئلا يستبعد عليه سبحانه وتعالى شيئا من ذلك ولا غيره، وإن تمثيل جميع ما يأم ربه كلائنا ما كان وكائنا فيه ما كان على أي وجه كان موافقة لأمره وطاعة له ومنبئة للاعتقاد الحق الذي أوجب هذه النصرة، واردة على جميع فرق الضلال، هذا - في انعطاف الآخر على الأول بالنسبة إلى السور - من أعظم المناسبات في ذلك بالنظر إلى الآيات أنه سبحانه شرح بالفيل وما بعدها من السور آيات الفاتحة كلها [ثم -] من أول البقرة إلى آية التوحيد، فأشار بالفيل إلى استجماعه لصفات الكمال بأن له الحمد بما حرس من بيته من الملوك وحماه من كيد الجبابرة وأحسن التربية لقريش الذين هم أشرف العالمين وبصلاحهم صلاح بلدتهم أم القرى، وبصلاحها صلاحها فدل ذلك على أنه يدين [ ص: 348 ] العباد يوم التناد، ولذلك أعطى رأس الهداة الدين الذي أفرده العبادة والاستعانة بالكوثر، وهداه إلى الصراط المستقيم، وأعاذه من طريق الكافرين المعاندين والضالين، وأشار أول البقرة إلى دخول المتقين - الذين الكتاب هدى لهم - في الدين أفواجا وإن أغنى أهل الكفر وأعتاهم سواء عليهم الإنذار وعدمه في أنه لا يؤمن وهو أبو لهب ومن سار بسيره من مجاهر ومساتر ويعمهم الخسار، ويشملهم الهلاك والتبار، بحكم الواحد القهار، المأمور بعبادته وتوحيده في الآية الجامعة لدعوات التوحيد يا أيها الناس اعبدوا ربكم المتصف بما في سورة الصمد التي لم ينزل في وصفه مثلها، فتم الدين عند ذلك [بما له -] سبحانه من كمال الأوصاف، وجلال النعوت بالجبروت والألطاف، فلم يبق إلا تعويذ أهل الدين من أن يدخل عليهم خلل، أو يلحقهم نزع أو زلل، فختم بالمعوذتين لذلك، والله المسؤول في الإنعام بعائد السؤل لكل سالك.