[ ص: 507 ] قوله تعالى: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين في سبب نزولها أربعة أقوال .
أحدها: أبا طالب لما حضرته الوفاة، دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية، فقال: "أي عم، قل معي: لا إله إلا الله، أحاج لك بها عند الله"، فقال أبو جهل وابن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فلم يزالا يكلمانه، حتى قال آخر شيء كلمهم به: أنا على ملة عبد المطلب . فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك" فنزلت ما كان للنبي والذين آمنوا . الآية، ونزلت إنك لا تهدي من أحببت [القصص:56]، أخرجه أن البخاري في "الصحيحين" من حديث ومسلم عن أبيه . وقيل: سعيد بن المسيب إنه لما مات أبو طالب، جعل النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر له، فقال المسلمون: ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا ولذوي قراباتنا، وقد استغفر إبراهيم لأبيه، وهذا محمد يستغفر لعمه؟ فاستغفروا للمشركين، فنزلت هذه الآية . قال أبو الحسين بن المنادي: هذا لا يصح، إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه قبل أن يموت، [ ص: 508 ] وهو في السياق، فأما أن يكون استغفر له بعد الموت، فلا، فانقلب ذلك على الرواة، وبقي على انقلابه . "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك"
والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر أمه آمنة، فتوضأ وصلى ركعتين، ثم بكى، فبكى الناس لبكائه، ثم انصرف إليهم، فقالوا: ما الذي أبكاك؟ فقال: "مررت بقبر أمي فصليت ركعتين، ثم استأذنت ربي أن أستغفر لها، فنهيت، فبكيت، ثم عدت فصليت ركعتين، واستأذنت ربي أن أستغفر لها، فزجرت زجرا، فأبكاني"، ثم دعا براحلته فركبها; فما سار إلا هنيأة، حتى قامت الناقة لثقل الوحي; فنزلت ما كان للنبي والذين آمنوا والآية التي بعدها، رواه بريدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والثالث: أتستغفر لهما وهما مشركان؟ فقال: أولم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ فذكر ذلك علي للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية والتي بعدها، علي بن أبي طالب: رواه أن رجلا استغفر لأبويه، وكانا مشركين، فقال له أبو الخليل عن علي عليه السلام .
والرابع: أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا نبي الله، إن من آبائنا من كان يحسن الجوار، ويصل الرحم، ويفك العاني، ويوفي بالذمم، أفلا [ ص: 509 ] نستغفر لهم؟ فقال: "بلى، والله لأستغفرن لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه"، فنزلت هذه الآية، وبين عذر إبراهيم، قاله ومعنى قوله: قتادة . من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم أي: من بعد ما بان أنهم ماتوا كفارا .
قوله تعالى: إلا عن موعدة وعدها إياه فيه قولان .
أحدهما: أن إبراهيم وعد أباه الاستغفار، وذلك قوله: سأستغفر لك ربي [مريم:47]، وما كان يعلم أن محظور حتى أخبره الله بذلك . الاستغفار للمشركين
والثاني: أن أباه وعده أنه إن استغفر له آمن; فلما تبين لإبراهيم عداوة أبيه لله تعالى: بموته على الكفر، ترك الدعاء له . فعلى الأول، تكون هاء الكناية في "إياه" عائدة على آزر، وعلى الثاني، تعود على إبراهيم . وقرأ ابن السميفع، ومعاذ القارئ، وأبو نهيك: "وعدها أباه" بالباء
وفي الأواه ثمانية أقوال .
أحدها: أنه الخاشع الدعاء المتضرع، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم . عبد الله بن شداد بن الهاد
والثاني: أنه الدعاء، رواه عن زر وبه قال عبد الله، عبيد بن عمير .
والثالث: الرحيم، رواه أبو العبيد بن العامري عن وبه قال ابن مسعود، الحسن، وقتادة، وأبو ميسرة .
والرابع: أنه الموقن، رواه أبو ظبيان عن وبه قال ابن عباس، مجاهد، وعطاء، وعكرمة، والضحاك .
والخامس: أنه المؤمن، رواه العوفي، ومجاهد وابن أبي طلحة عن ابن عباس .
[ ص: 510 ] والسادس: أنه المسبح، رواه عن أبو إسحاق أبي ميسرة، وبه قال سعيد بن المسيب، وابن جبير .
والسابع: أنه المتأوه لذكر عذاب الله، قاله قال الشعبي . مجاز أواه مجاز فعال من التأوه، ومعناه: متضرع شفقا وفرقا ولزوما لطاعة ربه، قال أبو عبيدة: المثقب:
إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين
والثامن: أنه الفقيه رواه عن ابن جريج فأما الحليم، فهو الصفوح عن الذنوب . مجاهد .