أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا
"أسكنوهن من حيث سكنتم" و"من" صلة قوله: "من وجدكم" [ ص: 296 ] قرأ الجمهور بضم الواو . وقرأ أبو هريرة، وأبو عبد الرحمن، وأبو رزين، وروح عن وقتادة، يعقوب بكسر الواو . وقرأ ابن يعمر، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة: بفتح الواو . قال أي: بقدر وسعكم . والوجد: المقدرة، والغنى، يقال: افتقر فلان بعد وجد . قال ابن قتيبة: يقول: على ما يجد، فإن كان موسعا عليه، وسع عليها في المسكن والنفقة، وإن كان مقترا عليه، فعلى قدر ذلك . الفراء:
قوله تعالى: ولا تضاروهن بالتضييق عليهن في المسكن، والنفقة، وأنتم تجدون سعة . قال المراد بهذا: المطلقة الرجعية دون المبتوتة، بدليل قوله تعالى: القاضي أبو يعلى: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا [الطلاق: 1] وقوله: فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف [الطلاق: 2] فدل ذلك على أنه أراد الرجعية .
وقد اختلف الفقهاء في أم لا؟ فالمشهور عند أصحابنا: أنه لا سكنى لها ولا نفقة، وهو قول المبتوتة: هل لها سكنى، ونفقة في مدة العدة، وقال ابن أبي ليلى . أبو حنيفة: لها السكنى، والنفقة . وقال مالك لها السكنى، دون النفقة . وقد رواه والشافعي: عن الكوسج ويدل على الأول حديث أحمد . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: فاطمة بنت قيس ومن حيث المعنى: إن النفقة إنما تجب لأجل التمكين من الاستمتاع، بدليل أن الناشز لا نفقة لها . [ ص: 297 ] واختلفوا في الحامل، والمتوفى عنها زوجها، فقال إنما النفقة للمرأة على زوجها ما كانت له عليها الرجعة، فإذا لم يكن له عليها، فلا نفقة ولا سكنى . ابن مسعود، وابن عمر، وأبو العالية، والشعبي، وشريح، وإبراهيم: نفقتها من جميع المال، وبه قال مالك، وابن أبي ليلى، وقال والثوري . ابن عباس، وابن الزبير، والحسن، وسعيد بن المسيب، نفقتها في مال نفسها، وبه قال وعطاء: أبو حنيفة، وأصحابه . وعن كالقولين . أحمد
قوله تعالى فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن يعني: وفي هذا دلالة على أن الأم إذا رضيت أن ترضعه بأجرة مثله، لم يكن للأب أن يسترضع غيرها أجرة الرضاع . وأتمروا بينكم بمعروف ، أي: لا تشتط المرأة على الزوج فيما تطلبه من أجرة الرضاع، ولا يقصر الزوج عن المقدار المستحق وإن تعاسرتم في الأجرة، ولم يتراض الوالدان على شيء فسترضع له أخرى لفظه لفظ الخبر، ومعناه: الأمر، أي: فليسترضع الوالد غير والدة الصبي .
لينفق ذو سعة من سعته أمر أهل التوسعة أن يوسعوا على نسائهم المرضعات أولادهن على قدر سعتهم . وقرأ ابن السميفع ( لينفق ) بفتح القاف . ومن قدر عليه رزقه أي: ضيق عليه من المطلقين . وقرأ ، أبي بن كعب وحميد (قدر) بضم القاف وتشديد الدال . وقرأ ابن مسعود، (قدر) بفتح القاف وتشديد الدال . (رزقه) بنصب القاف . وابن أبي عبلة فلينفق مما آتاه الله على قدر ما أعطاه . لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها أي: على قدر ما أعطاها من المال . سيجعل الله بعد عسر يسرا أي: بعد ضيق وشدة، غنى وسعة، وكان الغالب عليهم حينئذ الفقر، فأعلمهم أنه سيفتح عليهم بعد ذلك .