[ ص: 217 ] سورة التكاثر
وفي سبب نزولها قولان .
أحدهما: أن اليهود قالوا: نحن أكثر من بني فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان، فألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلالا، فنزلت هذه فيهم، قاله قتادة .
والثاني: أن حيين من قريش: بني عبد مناف، وبني سهم كان بينهما لحاء، فقال هؤلاء: نحن أكثر سيدا، وأعز نفرا . وقال أولئك مثل هذا، فتعادوا السادة والأشراف أيهم أكثر، فكثرهم بنو عبد مناف، ثم قالوا: نعد موتانا، فزاروا القبور، فعدوا موتاهم، فكثرهم بنو سهم، [ ص: 218 ] لأنهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية، فنزلت هذه فيهم قاله ابن السائب، ومقاتل .
بسم الله الرحمن الرحيم
ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم .
[ ص: 219 ] قوله تعالى: ألهاكم وقرأ أبو بكر الصديق، وابن عباس، والشعبي، وأبو العالية، وابن عمران، " أألهاكم " بهمزتين مقصورتين على الاستفهام . وقرأ وابن أبي عبلة: معاوية، " آلهاكم " بهمزة واحدة ممدودة استفهاما أيضا . ومعنى ألهاكم: شغلكم عن طاعة الله وعبادته . وفي المراد بالتكاثر ثلاثة أقوال . وعائشة
أحدها: التكاثر بالأموال والأولاد، قاله . الحسن
والثاني: التفاخر بالقبائل والعشائر، قاله قتادة .
والثالث: التشاغل بالمعاش والتجارة، قاله الضحاك .
وفي قوله تعالى: حتى زرتم المقابر قولان .
أحدهما: حتى أدرككم الموت على تلك الحال، حضرتم في المقابر زوارا ترجعون منها إلى منازلكم من الجنة أو النار، كرجوع الزائر إلى منزله .
والثاني: حتى زرتم المقابر فعددتم من فيها من موتاكم .
[ ص: 220 ] قوله تعالى: كلا قال هي ردع وتنبيه . والمعنى: ليس الأمر الذي ينبغي أن يكونوا عليه التكاثر . الزجاج:
قوله تعالى: سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم إذا نزل بكم الموت . وقيل: العلم الأول: يقع عند نزول الموت . والثاني: عند نزول القبر .
قوله تعالى: كلا لو تعلمون علم اليقين المعنى: لو تعلمون الأمر علما يقينا لشغلكم ما تعلمون عن التكاثر، والتفاخر . وجواب " لو " محذوف: وهو ما ذكرنا . ثم أوعدهم وعيدا آخر فقال تعالى: لترون الجحيم قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، ، وأبو عمرو " لترون " " ثم لترونها " بفتح التاء . وقرأ وحمزة مجاهد، وعكرمة، وحميد، " لترون " " لترونها " بضم التاء فيهما من غير همز وابن أبي عبلة ثم لترونها عين اليقين أي: مشاهدة، فكان المراد بـ " عين اليقين " نفسه، لأن عين الشيء: ذاته .
قوله تعالى: ثم لتسألن يومئذ عن النعيم اختلفوا، هل هذا السؤال عام، أم لا؟ على قولين .
أحدهما: أنه خاص للكفار، قاله . الحسن
والثاني: عام، قاله قتادة .
[ ص: 221 ] وللمفسرين في المراد بالنعيم عشرة أقوال .
أحدها: أنه الأمن والصحة، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة يأتي موقوفا عليه، وبه قال ابن مسعود مجاهد والشعبي .
والثاني: أنه الماء البارد، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم . أبو هريرة
[ ص: 222 ] والثالث: أنه خبز البر والماء العذب، قاله أبو أمامة .
والرابع: أنه ملاذ المأكول والمشروب، قاله جابر بن عبد الله .
والخامس: أنه صحة الأبدان، والأسماع، والأبصار، قاله وقال ابن عباس . هو العافية . قتادة:
والسادس: أنه الغداء والعشاء، قاله . الحسن
والسابع: الصحة والفراغ، قاله عكرمة .
[ ص: 223 ] والثامن: كل شيء من لذة الدنيا، قاله مجاهد .
والتاسع: أنه إنعام الله على الخلق بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم، قاله القرظي .
والعاشر: أنه صنوف النعم، قاله مقاتل .
والصحيح أنه عام في كل نعيم، وعام في جميع الخلق، فالكافر يسأل توبيخا إذا لم يشكر المنعم، ولم يوحده . والمؤمن يسأل عن شكرها . وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: " ثلاث لا أسأل عبدي عن شكرهن وأسأله عما سوى ذلك، بيت يكنه، وما يقيم به صلبه من الطعام، وما يواري به عورته من اللباس " .