[ ص: 236 ] يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
قوله تعالى: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه روى جندب بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعث رهطا واستعمل عليهم فلما انطلق ليتوجه بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث مكانه أبا عبيدة ، عبد الله بن جحش ، وكتب له كتابا ، وأمره ألا يقرأه إلا بمكان كذا وكذا ، وقال: "لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك" فلما صار إلى المكان ، قرأ الكتاب واسترجع ، وقال: سمعا [وطاعة لأمر ] الله ولرسوله [فخبرهم الخبر ، وقرأ عليهم الكتاب ] ، فرجع رجلان من أصحابه ، ومضى بقيتهم ، فأتوا ابن الحضرمي فقتلوه ، فلم يدروا ذلك اليوم ، أمن رجب ، أو من جمادى الآخرة؟ فقال المشركون [للمسلمين ]: قتلتم في الشهر الحرام [فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فحدثوه الحديث ] فنزلت هذه الآية ، فقال بعض المسلمين: لئن كان أصابهم خير فما لهم أجر ، فنزلت: إن الذين آمنوا والذين هاجروا إلى قوله: رحيم [ البقرة: 218 ] . قال اسم الزهري: ابن الحضرمي: عمرو ، واسم الذي قتله عبد الله بن واقد الليثي . قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، يظنون تلك الليلة من جمادى ، وكانت أول رجب . ابن عباس:
وقد روى عطية عن أنها نزلت في شيئين . أحدهما: هذا . والثاني: [ ص: 237 ] دخول النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ابن عباس مكة في شهر حرام يوم الفتح ، حين عاب المشركون عليه القتال في شهر حرام .
وفي السائلين النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عن ذلك قولان . أحدهما: أنهم المسلمون سألوه: هل أخطؤوا أم أصابوا؟ قاله ابن عباس ، وعكرمة ، والثاني: أنهم المشركون سألوه على وجه العيب على المسلمين ، قاله ومقاتل . الحسن ، وعروة ، ومجاهد .
والشهر الحرام: شهر رجب ، وكان يدعى الأصم ، لأنه لم يكن يسمع فيه للسلاح قعقعة تعظيما له (قتال فيه) أي: يسألونك عن قتال فيه . (قل قتال فيه كبير) قال ابن مسعود لا يحل . قال وابن عباس: كان أهل الجاهلية يعتقدون تحريم القتال في هذه الأشهر ، فأعلمهم الله تعالى في هذه الآية ببقاء التحريم . القاضي أبو يعلى:
فصل
اختلف العلماء في على قولين . تحريم القتال في الأشهر الحرم: هل هو باق أم نسخ؟
أحدهما: أنه باق . روى أن ابن جريج كان يحلف بالله: ما يحل للناس الآن أن يغزوا في الحرم ، ولا في عطاء ، إلا أن يقاتلوا فيه أو يغزوا ، وما نسخت . الأشهر الحرم
والثاني: أنه منسوخ ، قال سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار: القتال جائز في الشهر الحرام ، وهذه الآية منسوخة بقوله تعالى: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [ التوبة: 5 ] . وبقوله تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر [ التوبة: 19 ] . وهذا قول فقهاء الأمصار .
[ ص: 238 ] قوله تعالى: وصد عن سبيل الله هو مرفوع بالابتداء ، وخبر هذه الأشياء: (أكبر عند الله) . وفي المراد بـ "سبيل الله" هاهنا قولان .
أحدهما: أنه الحج ، لأنهم صدوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن مكة . قاله ابن عباس ، عن أشياخه . والسدي
والثاني: أنه الإسلام ، قاله وفي هاء الكناية في قوله: مقاتل . (وكفر به) قولان . أحدهما: أنها ترجع إلى الله تعالى ، قاله عن أشياخه ، السدي وقتادة ، ومقاتل ، والثاني: أنها تعود إلى السبيل . قاله وابن قتيبة . قال ابن عباس وخفض "المسجد" الحرام نسقا على قوله: (سبيل الله) كأنه قال: وصد عن سبيل الله ، وعن ابن قتيبة: المسجد الحرام .
قوله تعالى: (وإخراج أهله منه) لما آذوا رسول الله وأصحابه; اضطروهم إلى الخروج فكأنهم أخرجوهم ، فأعلمهم الله أن هذه الأفعال أعظم من قتل كل كافر . "والفتنة" هاهنا بمعنى الشرك . قاله ابن عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير ، والجماعة . والفتنة في القرآن على وجوه كثيرة ، قد ذكرتها في كتاب "النظائر" وقتادة ، (ولا يزالون) يعني: الكفار ، (يقاتلونكم) يعني: المسلمين . و(حبطت) بمعنى: بطلت .