القول في تأويل قوله تعالى:
[167] وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار
وقال الذين اتبعوا حين عاينوا تبرؤ الرؤساء منهم، وندموا على ما فعلوا من اتباعهم لهم في الدنيا: لو أن لنا كرة أي: ليت لنا رجعة إلى الدنيا: فنتبرأ منهم هناك، ومن عبادتهم، ونعبده تعالى وحده: كما تبرءوا منا اليوم. وهم كاذبون في هذا، بل لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، كما أخبر تعالى عنهم بذلك: كذلك أي: مثل تلك الإراءة الفظيعة: يريهم الله أعمالهم حسرات ندمات شديدة: عليهم أي: تذهب وتضمحل، كما قال تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا [ ص: 365 ] وقال تعالى: مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف الآية، وقال تعالى: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء الآية: وما هم بخارجين من النار ونظير هذه الآية قوله تعالى: ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ؟ وقال تعالى: واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا
[ ص: 366 ] وقال الخليل لقومه: إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين وقالت الملائكة: تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون ويقولون: سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون وقال تعالى: ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين وقال تعالى: وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم