[ ص: 5111 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[ 46 ] إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار .
إنا أخلصناهم أي: صفيناهم عن شوب صفات النفوس، وكدورة حظوظها، وجعلناهم لنا خالصين بالمحبة الحقيقية: بخالصة ذكرى الدار أي: الباقية والمقر الأصلي، أي: استخلصناهم لوجهنا بسبب تذكرهم لعالم القدس، وإعراضهم عن معدن الرجس، مستشرقين لأنوارنا، لا التفات لهم إلى الدنيا، وظلماتها أصلا.
لطيفة:
قال : قرأ السمين نافع وهشام : بخالصة ذكرى الدار بالإضافة، وفيها أوجه: أحدها - أن يكون أضاف خالصة إلى ذكرى للبيان; لأن الخالصة قد تكون ذكرى وغير ذكرى. كما في قوله: بشهاب قبس لأن الشهاب يكون قبسا وغيره.
الثاني - أن الخالصة مصدر بمعنى إخلاص، فيكون مصدرا مضافا لمفعوله، والفاعل محذوف، أي: بأن أخلصوا ذكر الدار، وتناسوا عند ذكرها ذكر الدنيا، وقد جاء المصدر على فاعلة كالعاقبة، أو يكون المعنى بأن أخلصنا نحن لهم ذكرى الدار، وقرأ الباقون بالتنوين وعدم الإضافة، وفيها أوجه:
أحدها - أنها مصدر بمعنى الإخلاص، فيكون: { ذكرى } منصوبا به، وأن يكون بمعنى الخلوص، فيكون: { ذكرى } مرفوعا به، والمصدر يعمل منونا كما يعمل مضافا، أو يكون: (خالصة)، اسم فاعل على بابه. و: { ذكرى } : بدل، أو بيان لها، أو منصوب بإضمار: (أعني)، أو هو مرفوع على إضمار مبتدأ، و: { الدار } يجوز أن يكون مفعولا به بـ: { ذكرى } وأن يكون ظرفا إما على الاتساع، وإما على إسقاط الخافض. و (خالصة): إن كانت صفة، فهي صفة لمحذوف; أي: بسبب خصلة خالصة. انتهى.