[ ص: 285 ] وقال : فصل الأذكار الثلاثة التي اشتملت عليها خطبة ابن مسعود وغيره وهي الحمد لله نستعينه ونستغفره : هي التي يروى عن الشيخ عبد القادر ثم أبي الحسن الشاذلي أنها . وهي : الحمد لله وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وذلك أن العبد بين أمرين أمر يفعله الله به فهي نعم الله التي تنزل عليه فتحتاج إلى الشكر . وأمر يفعله هو : إما خير وإما شر فالخير يفتقر إلى معونة الله له فيحتاج إلى الاستعانة والشر يفتقر إلى الاستغفار ليمحو أثره . جوامع الكلام النافع
وجاء في حديث ضماد الأزدي : { } فقط وهذا موافق لفاتحة الكتاب حيث قسمت نصفين : نصفا للرب ونصفا للعبد فنصف الرب مفتتح بالحمد لله ونصف العبد مفتتح بالاستعانة به فقال نحمده ونستعينه وقد يقرن بين الحمد والاستغفار كما في الأثر الذي رواه الحمد لله نحمده ونستعينه أحمد في الزهد " أن رجلا كان على عهد [ ص: 286 ] الحسن فقيل له : تلقينا هذه الخطبة عن الوالد عن والده كما يقولها كثير من الناس : الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا " فأما نحمده ونستعينه ففي حديث ضماد { } في حديث ونستعينه ونستغفره ابن مسعود . وأما نستهديه ففي فاتحة الكتاب لأن نصفها للرب وهو الحمد ونصفها للعبد وهو الاستعانة والاستهداء وليس فيها الاستغفار لأنه لا يكون إلا مع الذنب والسورة أصل الإيمان كما قال تعالى : { والفاتحة باب السعادة المانعة من الذنوب . إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } { ابن عباس أن ضمادا قدم مكة وكان من أزدشنوءة . وكان يرقي من هذه الريح فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون : إن محمدا مجنون فقال لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي قال فلقيه فقال : يا محمد إني أرقي من هذه الريح وإن الله يشفي على يدي من شاء الله فهل لك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد قال : فقال أعد علي كلماتك هؤلاء فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قال : فقال : [ ص: 287 ] لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء فما سمعت بمثل كلماتك هؤلاء ولقد بلغت ناعوس البحر قال : فقال هات يدك أبايعك على الإسلام قال : فبايعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى قومك فقال وعلى قومي } رواه وعن مسلم في صحيحه .
ولهذا استحبت وفعلت في مخاطبة الناس بالعلم عموما وخصوصا : من تعليم الكتاب والسنة والفقه في ذلك . وموعظة الناس ومجادلتهم أن يفتتح بهذه الخطبة الشرعية النبوية وكان الذي عليه شيوخ زماننا الذين أدركناهم وأخذنا عنهم وغيرهم يفتتحون مجلس التفسير أو الفقه في الجوامع والمدارس وغيرها بخطبة أخرى .
مثل : الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ورضي الله عنا وعنكم وعن مشايخنا وعن جميع المسلمين أو وعن السادة الحاضرين وجميع المسلمين ; كما رأيت قوما يخطبون للنكاح بغير الخطبة المشروعة وكل قوم لهم نوع غير نوع الآخرين فإن حديث ابن مسعود لم يخص النكاح وإنما هي خطبة لكل حاجة في مخاطبة العباد بعضهم بعضا والنكاح من جملة ذلك فإن مراعاة السنن الشرعية في الأقوال والأعمال في جميع العبادات والعادات هو كمال الصراط المستقيم وما سوى ذلك إن لم يكن [ ص: 288 ] منهيا عنه فإنه منقوص مرجوح إذ خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
والتحقيق أن قوله : { } هي الجوامع " كما في الحديث النبوي حديث الحمد لله نستعينه ونستغفره ابن مسعود ذكر ذلك وأن النبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم وخواتمه وفواتحه كما في سورتي " أبي " فإن الاستهداء يدخل في الاستعانة وتكرير نحمده قد استغني به بقوله " الحمد لله " فإذا فصلت جاز كما في دعاء القنوت : { } . فهذه إحدى سورتي أبي . وهي مفتتحة بالاستعانة التي هي نصف العبد مع ما بعدها من فاتحة الكتاب وفي السورة الثانية : { اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله ونشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك } . فهذا مفتتح بالعبادة التي هي نصف الرب مع ما قبلها من الفاتحة ففي سورتي القنوت مناسبة لفاتحة الكتاب وفيهما جميعا مناسبة لخطبة الحاجة وذلك جميعه من فواتح الكلم وجوامعه وخواتمه . اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق