فصل وأما : فقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث وجوبه المتقدم لمجرد الشك فقال : { أبي هريرة } وأمر به فيما إذا طرح الشك [ ص: 27 ] فقال في حديث إذا قام أحدكم يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه صلاته حتى لا يدري كم صلى فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس أبي سعيد : { } وكذلك في حديث فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعتا له صلاته وإن كان صلى تماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان عبد الرحمن { } وأمر به في حديث ثم ليسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم ثم يسلم ابن مسعود حديث التحري قال : { } وفي لفظ { فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين } وفي الحديث الآخر المتفق عليه هاتان السجدتان لمن لا يدري أزاد في صلاته أم نقص فيتحرى الصواب فيتم عليه ثم يسجد سجدتين لابن مسعود { } فقد أمر بالسجدتين إذا زاد أو إذا نقص . ومراده إذا زاد ما نهى عنه أو نقص ما أمر به . فقلنا : يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء فقال : لا فقلنا له الذي صنع فقال : إذا زاد أو نقص فليسجد سجدتين قال : ثم سجد سجدتين
ففي هذا ولم يكن تركه ساهيا موجبا لإعادته بنفسه وإذا زاد ما نهى عنه ساهيا . فعلى هذا كل مأمور به في الصلاة إذا تركه ساهيا فأما أن يعيده إذا ذكره وإما أن يسجد للسهو لا بد من أحدهما . إيجاب السجود لكل ما يترك مما أمر به إذا تركه ساهيا
[ ص: 28 ] فالصلاة نفسها إذا نسيها صلاها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك . وكذلك إذا نسي طهارتها كما أمر الذي ترك موضع لمعة من قدمه لم يصبها الماء أن يعيد الوضوء والصلاة . وكذلك إذا نسي ركعة . كما في حديث ذي اليدين فإنه لا بد من فعل ما نسيه إما مضموما إلى ما صلى وإما أن يبتدئ الصلاة . فهذه خمسة أحاديث صحيحة فيها كلها يأمر الساهي بسجدتي السهو وهو لما سها عن التشهد الأول سجدهما بالمسلمين قبل السلام ولما سلم في الصلاة من ركعتين أو من ثلاث صلى ما بقي وسجدهما بالمسلمين بعد الصلاة ولما أذكروه أنه صلى خمسا سجدهما بعد السلام والكلام .
وهذا يقتضي مداومته عليهما وتوكيدهما وأنه لم يدعهما في السهو المقتضي لها قط وهذه دلائل بينة واضحة على وجوبهما وهو قول جمهور العلماء وهو مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة وليس مع من لم يوجبهما حجة تقارب ذلك .
والشافعي إنما لم يوجبهما لأنه ليس عنده في الصلاة واجب تصح الصلاة مع تركه لا عمدا ولا سهوا وجمهور العلماء الثلاثة وغيرهم يجعلون من واجبات الصلاة ما لا يبطل تركه الصلاة لكن مالك وأحمد وغيرهما يقولون لا تبطل الصلاة بعمده وعليه الإعادة ويجب بتركه سهوا سجود السهو . وأبو حنيفة يقول : إذا تركه عمدا كان مسيئا [ ص: 29 ] وكانت صلاته ناقصة ولا إعادة عليه وأما ما يزيده عمدا فكلهم يقول : إن فيه ما تبطل الصلاة مع عمده دون سهوه ; لكن هو في حال العمد مبطل فلا سجود وفي حال السهو يقولون : قد عفي عنه فلا يجب السجود .
وقد احتج بعضهم بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث الشك : { } وهذا لفظ ليس في الصحيح ولفظ الصحيح " { كانت الركعة والسجدتان نافلة } فقد أمر فيه بالسجود وبين حكمته سواء كان صلى خمسا أو أربعا فقال : { فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعتا له صلاته وإن كان صلى تماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان } وهذا يقتضي أن فإن كان صلى خمسا شفعتا له صلاته لا يجوز بل قد أمر الله أن يوتر صلاة النهار بالمغرب وصلاة الليل بالوتر . التطوع بالوتر
وهنا لما كان مع الشك قد صلى خمسا وهو لا يعلم جعل السجدتين قائمة مقام ركعة فشفعتا له صلاته . قال : { } فهذا اللفظ وهو قوله : { وإن كان صلى تماما لأربع فلم يزد في الصلاة شيئا كانتا ترغيما للشيطان } لا يمكن أن يستدل به حتى يثبت أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 30 ] فكيف ولفظه الذي في الصحيح يقتضي وجوبهما وجوب الركعة . والسجدتين . والركعة قد اتفق العلماء على وجوبها فحيث قيل : إن الشاك يطرح الشك ويبني على ما استيقن : كانت الركعة المشكوك فيها واجبة . كانت الركعة والسجدتان نافلة له
وإذا كانت واجبة بالنص والاتفاق واللفظ المروي هو فيها وفي السجود مع أن السجود أيضا مأمور به كما أمر بالركعة . علم أن ما ذكر لا ينافي وجوب السجدتين كما لا ينافي وجوب الركعة وإن كان هذا اللفظ قد قاله الرسول فمعناه أنه مأمور بذلك مع الشك فعلى تقدير أن تكون صلاته تامة في نفس الأمر لم ينقص منها شيء يكون ذلك زيادة في عمله وله فيه أجر كما في النافلة وهذا فعل كل من احتاط فأدى ما يشك في وجوبه إن كان واجبا وإلا كانت نافلة له فهو إنما جعلها نافلة في نفس الأمر على تقدير إتمام الأربع ولكن هو لما شك حصل بنفس شكه نقص في صلاته فأمر بهما وإن كان صلى أربعا ترغيما للشيطان .
وهذا كما يأمرون من يشك في غير الواجب بأن يفعل ما يتبين به براءة الذمة والواجب في نفس الأمر واحد والزيادة نافلة وكذلك يؤمر من باجتنابهما والمحرم في نفس الأمر واحد فذلك المشكوك فيه يسمى واجبا باعتبار أن عليه [ ص: 31 ] أن يفعله ويسمي نافلة على تقدير أي هو مثاب عليه مأجور عليه ليس هو عملا ضائعا كالنوافل . وأنه لم يك في نفس الأمر واجبا عليه لكن وجب لأجل الشك مع أن إحدى الروايتين عن اشتبهت أخته من الرضاع بأجنبية أحمد أنه يجبر المعادة مع إمام الحي .
ويسمي نافلة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وكذلك قوله في حديث { أبي ذر } فهي نافلة . أي : زائدة على الفرائض الخمس الأصلية وإن كانت واجبة بسب آخر كالواجب بالنذر . صل الصلاة لوقتها ثم اجعل صلاتك معهم نافلة ولا تقل : إني قد صليت
وكثير من السلف يريدون بلفظ النافلة ما كان زيادة في الحسنات وذلك لمن لا ذنب له ولهذا قالوا في قوله : { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } إن النافلة مختصة برسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله غفر له وغيره له ذنوب فالصلوات تكون سببا لمغفرتها وهذا القول وإن كان فيه كلام . ليس هذا موضعه . فالمقصود أن لفظ النافلة توسع فيه فقد يسمى به ما أمر به وقد ينفي عن التطوع .
فقد تبين إما نقص وإما زيادة . كما قال في الصحيحين : { وجوب سجود السهو . وسببه } . فالنقص كما في حديث إذا زاد أو نقص فليسجد سجدتين ابن بحينة : لما ترك التشهد الأول سجد والزيادة [ ص: 32 ] كما سجد لما صلى خمسا وأمر به الشاك الذي لا يدري أزاد أم نقص فهذه أسبابه في كلام النبي صلى الله عليه وسلم إما الزيادة وإما النقص وإما الشك . وقد تبين أنه في النقص والشك يسجد قبل السلام وفي الزيادة بعده .