فصل إذا : فقد ثبت في الصحيحين عن نسي السجود حتى فعل ما ينافي الصلاة من كلام وغيره ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم { } فقد بين ذلك في الصحيحين { أنه سجد بعد السلام والكلام } وهذا قول جمهور العلماء وهو مذهب أنه صلى بهم الظهر خمسا فلما انفتل توشوش القوم فيما بينهم فقال : ما شأنكم قالوا : يا رسول الله زيد في الصلاة ؟ قال لا . قالوا : فإنك صليت خمسا فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم مالك والشافعي وأحمد وغيره .
وعن أبي حنيفة أنه ; لأن الكلام ينافيها فهو كالحدث . وعن إن تكلم بعد السلام سقط عنه سجود السهو الحسن ومحمد إذا صرف وجهه [ ص: 40 ] عن القبلة لم يبن ولم يسجد . والصواب قول الجمهور كما نطقت به السنة فإنه صلى الله عليه وسلم سجد بعد انصرافه وانفتاله وإقباله عليهم وبعد تحدثهم وبعد سؤاله لهم وإجابتهم إياه وحديث ذي اليدين أبلغ في هذا فإنه { ذو اليدين : أقصرت الصلاة ؟ أم نسيت ؟ وأجابه . ثم سأل الصحابة فصدقوا ذا اليدين فعاد إلى مكانه فصلى الركعتين ثم سجد بعد السلام سجدتي السهو } وقد خرج السرعان من الناس يقولون : قصرت الصلاة قصرت الصلاة . صلى ركعتين ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها ثم قال له
وفي حديث عمران وهو في الصحيحين : { الخرباق فذكر له صنيعه وأنه خرج يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس فقال : أصدق هذا ؟ قالوا : نعم } . وهذه القصة إما أن تكون غير الأولى وإما أن تكون هي إياها لكن اشتبه على إحدى الراويين : هل سلم من ركعتين أو من ثلاث وذكر أحدهما قيامه إلى الخشبة المعروضة في المسجد والآخر دخوله منزله ثم من بعد هذا القول والعمل وخروجه من المسجد . والسرعان من الناس لا ريب أنه أمرهم بما يعملون . أنه سلم في ثلاث من العصر ثم دخل منزله وقام إليه
فإما أن يكونوا عادوا أو بعضهم إلى المسجد فأتموا معه الصلاة بعد خروجهم من المسجد وقولهم : قصرت الصلاة قصرت الصلاة . [ ص: 41 ] وإما أن يكونوا أتموا لأنفسهم لما علموا السنة وعلى التقديرين فقد أتموا بعد العمل الكثير والخروج من المسجد .
وأما أن يقال : إنهم أمروا باستئناف الصلاة : فهذا لم ينقله أحد ولو أمر به لنقل ولا ذنب لهم فيما فعلوا وهو في إحدى صلوات الخوف يصلي بطائفة ركعة والأخرى بإزاء العدو ثم يمضون إلى مصاف أصحابهم وهم في الصلاة فيعملون عملا ويستدبرون القبلة ثم يأتي أولئك فيصلي بهم ركعة ثم يمضون إلى مصاف أصحابهم ثم يصلي هؤلاء لأنفسهم ركعة أخرى وهؤلاء ركعة أخرى وفي ذلك مشى كثير واستدبار للقبلة وهم في الصلاة وقد يتأخر كل طائفة من هؤلاء وهؤلاء في الركعة الأولى . والثانية بمشيها إلى مصاف أصحابها ثم يجيء أصحابها إلى خلف الإمام ثم بصلاتهم خلف الإمام ثم برجوعهم إلى مصاف أولئك ثم بعد هذا كله يصلون الركعة الثانية وهم قيام فيها مع هذا العمل والانتظار لكن لا يصلون الركعة إلا بعد هذا كله فعلم أنوموالاة السجدتين مع الصلاة أولى ; بخلاف الموالاة بين أبعاض الركعة : وهذا مذهب الموالاة بين ركعات الصلاة لا تجب مع العدو مالك وأحمد .
ولهذا إذا نسي ركنا كالركوع مثلا ; فإن ذكر في الأولى مثل أن يذكر بعد أن يسجد السجدتين فإنه يأتي بالركوع وما بعده [ ص: 42 ] ويلغو ما فعله قبل الركوع ; لأن الفصل يسير . وهذا قول الجماعة وإن شرع في الثانية . إما في قراءتها عندهم وإما في ركوعها على قول الجماعة . وإن شرع في الثانية إما في قراءتها عندهم وإما في ركوعها على قول مالك فعند الشافعي يلغو ما فعله بعد الركوع إلى أن يركع في الثانية فيقوم مقام ركوع الأولى وإن طال الفصل ويلفق الركعة من ركعتين وقد رجح أحمد هذا على قول الكوفيين وحكي رواية عنه . والمشهور عنه وعن مالك أنهما لا يلفقان بل تلغو تلك الركعة المنسي ركنها وتقوم هذه مقامهما فيكون ترك الموالاة مبطلا للركعة على أصلهما لا يفصل بين ركوعها وسجودها بفاصل أجنبي عنها فإن أدنى الصلاة ركعة . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { } . من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك
والركعة إنما تكون ركعة مع الموالاة أما إذا : لم تكن هذه ركعة مؤلفة من ركوع وسجود ; بل يكون ركوع مفرد وسجود مفرد وهذا ليس بصلاة والسجود تابع للركوع فلا تكون صلاة إلا بركوع يتبعه سجود وسجود يتبعه ركوع وبسط هذا له موضع آخر . ركع ثم فعل أفعالا أجنبية عن الصلاة ثم سجد
لكن هؤلاء لهم عذر الخوف وأولئك لهم عذر السهو وعدم العلم .
[ ص: 43 ] وقد اختلف في . فقيل : إذا طال الفصل لم يسجد ولم يبن ولم يحد هؤلاء طول الفصل بغير قولهم وهذا قول كثير من أصحاب السجود والبناء بعد طول الفصل الشافعي وأحمد . وغيره وهؤلاء يقولون : قد تقصر المدة وإن خرج وقد تطول وإن قعد . كالقاضي أبي يعلى
وقيل : يسجد ما دام في المسجد فإن خرج انقطع . وهذا هو الذي ذكره الخرقي وغيره وهو منصوص عن أحمد وهو قول الحكم وابن شبرمة وهذا حد بالمكان لا بالزمان لكنه حد بمكان العبادة .
وقيل : كل منهما مانع من السجود : طول الفصل والخروج من المسجد .
وعن أحمد رواية أخرى أنه يسجد وإن خرج من المسجد وتباعد . وهو قول للشافعي وهذا هو الأظهر فإن تحديد ذلك بالمكان أو بزمان لا أصل له في الشرع لا سيما إذا كان الزمان غير مضبوط فطول الفصل وقصره ليس له حد معروف في عادات الناس ليرجع إليه ولم يدل على ذلك دليل شرعي ولم يفرق الدليل الشرعي في السجود والبناء بين طول الفصل وقصره ولا بين الخروج من المسجد والمكث فيه بل قد دخل هو صلى الله عليه وسلم إلى منزله [ ص: 44 ] وخرج السرعان من الناس كما تقدم . ولو لم يرد بذلك شرع فقد علم أن ذلك السلام لم يمنع بناء سائر الصلاة عليها . فكذلك سجدتا السهو يسجدان متى ما ذكرهما .
وإن تركهما عمدا . فإما أن يقال : يسجدهما أيضا مع إثمه بالتأخير كما تفعل جبرانات الحج وهي في ذمته إلى أن يفعلها فالموالاة فيها ليست شرطا كما يشترط مع القدرة في الركعات فلو سلم من الصلاة عمدا بطلت صلاته باتفاق الناس ; لأن الصلاة في نفسها عبادة واحدة لها تحليل وتحريم ; بخلاف السجدتين بعد السلام فإنهما يفعلان بعد تحليل الصلاة كما يفعل طواف الإفاضة بعد التحلل الأول .
وإما أن يقال : الموالاة شرط فيها مع القدرة وإنما تسقط بالعذر كالنسيان والعجز كالموالاة بين ركعات الصلاة وعلى هذا فمتى أخرهما لغير عذر بطلت صلاته إذ لم يشرع فصلهما عن الصلاة إلا بالسلام فقط وأمر بهما عقب السلام فمتى تكلم عمدا أو قام أو غير ذلك مما يقطع التتابع عالما عامدا بلا عذر بطلت صلاته كما تبطل إذا ترك السجدتين قبل السلام .