[ ص: 225 ] قوله تعالى: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169) فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (170)
أما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فليس فيهم شك أن أرواحهم عند الله في أعلى عليين .
وقد ثبت في "الصحيح " أن آخر كلمة تكلم بها النبي - صلى الله عليه وسلم - عند موته أن قال: "اللهم الرفيق الأعلى" وكررها حتى قبض .
وقال رجل : قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأين هو؟ قال: في الجنة . وأما الشهداء فأكثر العلماء على أنهم في الجنة، وقد تكاثرت الأحاديث بذلك . ففي "صحيح لابن مسعود " عن مسلم ، قال: سألنا مسروق - رضي الله عنه -، عن هذه الآية: عبد الله بن مسعود ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فقال: أما إنا قد سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: "أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا; قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لم يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم . [ ص: 226 ] حاجة تركوا "
روى الإمام أحمد، وأبو داود، ، من حديث والحاكم . عن سعيد بن جبير - رضي الله عنها -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ابن عباس ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " . "لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب، معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا: من يبلغ عنا إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق، لئلا ينكلوا عن الحرب، ولا يزهدوا في الجهاد؟ " قال: "فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله تعالى:
وخرج وغيره، حدثنا أبو عبد الله بن منده إسماعيل بن المختار عن عطية . عن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي سعيد "أرواح الشهداء في طير خضر، ترعى في رياض الجنة، ثم يكون مأواها إلى قناديل معلقة بالعرش، فيقول لهم الرب عز وجل: هل تعلمون كرامة أكرم من كرامة أكرمتكموها ؟ فيقولون: لا، إنا وددنا أنك رددت أرواحنا في أجسادنا حتى نقاتل مرة أخرى، فنقتل في سبيلك " .
وخرج وغيره، من طريق أبو الشيخ الأصبهاني عبد الله بن ميمون ، عن عمه مصعب بن سليم، عن - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أنس "يبعث الله الشهداء من حواصل طير بيض كانوا في قناديل معلقة بالعرش " . وخرج ، الإمام أحمد وصححه، من حديث والترمذي . عن عمرو بن دينار ، عن الزهري عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه، أن رسول الله [ ص: 227 ] - صلى الله عليه وسلم – قال : كذا رواه "إن أرواح الشهداء في طير خضر، تعلق من شجر الجنة" . عمرو ، عن ، ورواه سائر أصحاب الزهري عنه، ولم يذكروا: الشهداء، إنما ذكروا نسمة المؤمن وسيأتي حديثهم إن شاء الله . وقد ذكرنا فيما تقدم حديث الزهري أبي عبادة عيسى بن عبد الرحمن، عن ، عن الزهري ، عن عامر بن سعد إسماعيل بن طلحة بن عبيد الله ، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في شهداء أحد، وهو منكر، وأبو عبادة هذا: ضعيف جدا .
وخرج ، من طريق ابن منده ، عن معاوية بن صالح سعيد بن سويد، أنه سأل عن أرواح المؤمنين فقال: بلغني أن أرواح الشهداء كطير خضر معلقة بالعرش، تغدو ثم تروح إلى رياض الجنة، تأتي ربها عز وجل في كل يوم تسلم عليه، وهذا أشبه . ابن شهاب
وكذا قال ، الضحاك وإبراهيم التيمي ، وغيرهما من السلف، في وخرج أرواح الشهداء . ، من طريق ابن منده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن حبان بن أبي جبلة ، قال: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الشهداء إذا استشهدوا أنزل الله جسدا كأحسن جسد، ثم يقال لروحه: ادخلي فيه، فينظر إلى جسده الأول ما يفعل به، ويتكلم فيظن أنهم يسمعون كلامه، وينظر بهم، فيظن أنهم ينظرونه، حتى تأتيه أزواجه - يعني الحور العين - فيذهبن به " . ويشهد لهذه النصوص - أيضا - ما في "الصحيحين " عن ، قال: [ ص: 228 ] جابر أحد: أين أنا إن قتلت يا رسول الله؟ قال: "في الجنة"، فألقى تمرات كن في يده، ثم قاتل حتى قتل . قال رجل يوم
وفي "صحيح " عن مسلم - رضي الله عنه -، أنس بدر: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض " . وذكر قصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه يوم عمير بن الحمام .
وفي "صحيح " عن البخاري ، قال: المغيرة بن شعبة و"فيه " - أيضا - عن أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن رسالة ربنا أنه من قتل صار إلى الجنة . ، المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ، - رضي الله عنه -، قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عمر الحديبية: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: "بلى" . أن
وفي "صحيح " عن مسلم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي موسى "إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف " .
وفي "صحيح " عن البخاري - رضي الله عنه -، قال: أنس حارثة يوم بدر - وهو غلام - فجاءت أمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة صبرت واحتسبت، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع؟ قال: "ويحك أو هبلت؟ جنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس " . أصيب
[ ص: 229 ] وخرج ، الترمذي ، من حديث والحاكم - رضي الله عنه - . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي هريرة جعفرا يطير مع الملائكة" . "رأيت في الجنة
وخرج من حديث الحاكم - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ابن عباس جعفر يطير مع الملائكة، وإذا حمزة متكئ على سرير" . "دخلت البارحة الجنة فنظرت فيها، فإذا
وخرج ، الإمام أحمد ، وأبو يعلى ، من حديث وابن أبي الدنيا عن ثابت . - رضي الله عنه -، قال: أنس . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعجبه الرؤيا الحسنة، فكان فيما يقول: "هل رأى أحد منكم رؤيا؟ " فإذا رأى الرجل الذي لا يعرفه الرؤيا، سأل عنه ، فإن أخبر عنه بمعروف كان أعجب لرؤياه، قال: فجاءت امرأة فقالت : يا رسول الله، رأيت في المنام كأني خرجت فأدخلت الجنة، فسمعت وجبة ارتجت لها الجنة، فإذا أنا بفلان وفلان وفلان، حتى عدت اثني عشر رجلا - وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية قبل ذلك فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم، فقال: "اذهبوا بهم إلى نهر البيذخ، فغمسوا فيه، فأخرجوا ووجوههم كالقمر ليلة البدر، وأتوا بكراسي من ذهب فأقعدوا عليها ، وجيء بصحفة من ذهب فيها بسر، فأكلوا من بسره ما شاءوا فما يقلبونها لوجه إلا أكلوا من فاكهة ما شاءوا" . قالت: وأكلت معهم، قال: فجاء البشير من تلك السرية، فقال: يا رسول الله! كان كذا وكذا، وأصيب فلان وفلان حتى عد اثني عشر رجلا، فقال: علي بالمرأة" فقال: " قصي رؤياك على هذا" فقال الرجل: هو كما قالت، أصيب فلان وفلان
[ ص: 230 ] وروى ، عن ابن عيينة عبد الله بن أبي يزيد، سمع ، يقول: أرواح الشهداء تجول في حواصل طير خضر، تعلق في ثمر الجنة . ابن عباس
وروى ، عن معمر ، قال: بلغنا أن أرواح الشهداء في حواصل طير بيض، تأكل من ثمار الجنة . قتادة
وروى أبو عاصم ، عن ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان عبد الله ابن عمرو ، قال: أرواح الشهداء في أجواف طير كالزرازير، يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة .
وروى ، عن ابن المبارك حدثنا زائدة، ميسرة الأشجعي، عن ، عن عكرمة عن ابن عباس، - رضي الله عنه -، قال: جنة المأوى: جنة فيها طير خضر، ترعى فيها أرواح الشهداء . كذا رواه كعب عطية، عن ، قال: قلت ابن عباس : إني أسألك عن أشياء فإن كانت في كتاب الله فحدثني، وإن لم يكن في كتاب الله فلا تحدثني . فذكر مسائل، فقال لكعب : ما سألتني عن شيء إلا وهو في كتاب الله، قال: وأما جنة المأوى فإنها جنة فيها أرواح الشهداء، في أجواف طير خضر، تأوي إلى قناديل الجنة . كعب
وروى أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ، حدثنا عمرو بن عمر الأحموسي، عن السفر بن نسير، قال: سئل عن أرواح الشهداء فقال: هي طير خضر، معلقة في قناديل تحت العرش، تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم ترجع إلى قناديلها . أبو الدرداء
وروى عن ليث أبي قيس، عن هذيل، عن ، قال: أرواح [ ص: 231 ] الشهداء طير خضر في قناديل تحت العرش تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديلها . وروي عن ابن مسعود ، أنه قال: ليس الشهداء في الجنة، ولكنهم يرزقون منها . فروى مجاهد ، حدثنا آدم بن أبي إياس عن ورقاء، ، عن ابن أبي نجيح في قوله تعالى: مجاهد ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون الآية . قال: يقول: أحياء عند ربهم يرزقون من ثمر الجنة، ويجدون ريحها وليسوا فيها .
وروى ، عن ابن المبارك ، عن ابن جريج ، قال: ليس هم في الجنة، ولكنهم يأكلون من ثمارها، ويجدون ريحها . وقد يستدل لقوله بما رواه مجاهد ، عن ابن إسحاق عاصم بن عمر بن قتادة ، عن ، عن محمود بن لبيد رضي الله عن هما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ابن عباس "الشهداء على بارق نهر بباب الجنة، في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا"
وخرجه ، ولفظه: ابن منده "على بارق نهر في الجنة" .
وهذا يدل على أن النهر خارج من الجنة، مدلس، وليس يصرح بالحديث هنا، ولعل هذا في عموم الشهداء، والذين في القناديل التي تحت العرش خواصهم، ولعل المراد بالشهداء هنا من هو شهيد من غير قتل . [ ص: 232 ] في سبيل الله، كالمطعون والمبطون والغريق وغيرهم ممن ورد النص بأنه شهيد . والأحاديث السابقة كلها فيمن قتل في سبيل الله، وبعضها صريح في ذلك . وفي بعضها أن الآية نزلت في ذلك، وهو قوله تعالى: وابن إسحاق ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا الآية، والآية نص في وقد يطلق الشهيد على من حقق الإيمان وشهد بصحته بقوله، كما قال تعالى: المقتول في سبيل الله . والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم قال ، عن ابن أبي نجيح ، في هذه الآية يقول: يشهدون على أنفسهم بالإيمان بالله . الآية، مجاهد
وروى ، عن رجل، عن سفيان ، قال: كل مؤمن صديق وشهيد . ثم قرأ: مجاهد والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم وخرج من رواية ابن أبي حاتم، رشدين بن سعد ، عن ابن عقيل ، عن أبيه عن - رضي الله عنه -، قال: كلكم صديق وشهيد، قيل له: ما تقول يا أبي هريرة ؟ قال: اقرأوا: أبا هريرة والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم وخرج ، من طريق ابن جرير إسماعيل بن يحيى التيمي ، [ ص: 233 ] عن عن ابن عجلان، ، عن زيد بن أسلم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: البراء بن عازب "مؤمنو أمتي شهداء" ثم تلا رسول الله هذه الآية: والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم وإسماعيل هذا: ضعيف جدا .
ويعضد هذا ما ورد في تفسير قوله تعالى: لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا من شهادة هذه الأمة للأنبياء عليهم السلام بتبليغ رسالاتهم .
وبكل حال فالأحاديث المتقدمة كلها في الشهيد المقتول في سبيل الله عز وجل لا تحتمل غير ذلك، وإنما النظر في حديث هذا والله أعلم . ابن إسحاق