وأما بقية المؤمنين سوى الشهداء; فينقسمون إلى: أهل تكليف، وغير أهل تكليف; فهذان قسمان:
أحدهما: غير أهل التكليف: كأطفال المؤمنين . فال جمهور على أنهم في الجنة، وقد حكى الإجماع على ذلك . وقال - في رواية الإمام أحمد جعفر بن محمد -: ليس فيهم اختلاف، يعني أنهم في الجنة ، وقال - في رواية الميموني -: لا أحد يشك أنهم في الجنة .
وذكر من طريق الخلال عن حنبل، ، قال: نحن نقر بأن الجنة قد خلقت، ونؤمن بها، والجنة والنار مخلوقتان، قال الله عز وجل: أحمد النار يعرضون عليها غدوا وعشيا لآل فرعون، وقال: في أجواف طير خضر، تسرح في الجنة، يكفلهم أبوهم أرواح ذراري [ ص: 234 ] المسلمين، إبراهيم . فيدل هذا على أنهما قد خلقتا . وكذلك نص على أن الشافعي أطفال المسلمين في الجنة .
وجاء صريحا عن السلف على أن أرواحهم في الجنة كما روى ، عن الليث أبي قيس، عن هذيل، عن ، قال: إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، تسرح بهم في الجنة حيث شاءوا، وإن أرواح ولدان المسلمين في أجواف عصافير في الجنة، تسرح بهم في الجنة حيث شاءت فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش . خرجه ابن مسعود . 0 ورواه ابن أبي حاتم الثوري ، عن والأعمش أبي قيس، عن هذيل، من قوله، لم يذكر . ابن مسعود
وخرج ، من طريق البيهقي ، عن عكرمة عن ابن عباس، ، نحوه . كعب
وخرج من طريق الخلال، ، عن ليث ، عن أبي الزبير . قال: إن في الجنة لشجرة لها ضروع كضروع البقر، يغذى به ولدان أهل الجنة، حتى إنهم ليستنون استنان البكارة . عبيد بن عمير
وخرج بإسناده، عن ابن أبي حاتم ، قال: إن في الجنة شجرة يقال لها: طوبى ضروع كلها، ترضع صبيان أهل الجنة، وإن سقط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة، يتقلب فيه حتى تقوم الساعة، فيبعث ابن أربعين سنة . ويدل على صحة ذلك ما في "صحيح خالد بن معدان " عن مسلم قال: أنس إبراهيم عليه السلام، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين فيكفلان رضاعه في الجنة" لما توفي [ ص: 235 ]
وخرج نحوه من حديث ابن ماجه - رضي الله عنهما - . ابن عباس
وخرج نحوه من حديث الإمام أحمد . وروى البراء بن عازب ، عن سعيد بن منصور إسماعيل بن عياش ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: مكحول "إن ذراري المؤمنين أرواحهم في عصافير في شجر في الجنة، يلقاهم أبوهم إبراهيم عليه السلام " . وكذا رواه علي بن عثمان الحقي، عن ، عن حماد بن سلمة عن أبن خثيم . ، إلا أنه قال: عصافير خضر في الجنة . وهذا مرسل، ولفظه يشبه لفظ الحديث الذي احتج به مكحول على خلق الجنة، كما تقدم . الإمام أحمد
وقد روي متصلا من وجه آخر، من رواية عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، عن عطاء بن قرة، عن عبد الله بن ضمرة ، عن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي هريرة خرجه "ذراري المؤمنين يكفلهم إبراهيم عليه السلام في الجنة" في "صحيحه " ابن حبان وقال: صحيح الإسناد . وخرجه والحاكم ، عن الإمام أحمد موسى بن داود، عن ابن ثوبان ، إلا أنه ذكر أن موسى شك في رفعه . ولكن رواه غير واحد، عن ، ولم يشكوا في رفعه . [ ص: 236 ] وروي من وجه آخر، من رواية ثوبان مؤمل، عن ، عن سفيان ابن الأصبهاني . عن عن أبي حازم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي هريرة، إبراهيم وسارة - عليهما السلام - فإذا كان يوم القيامة دفعوا إلى آبائهم " . وكذا رواه "أولاد المسلمين في جبل في الجنة، يكفلهم محمد بن عبد الله بن نمير، عن ، عن وكيع مرفوعا . ورواه سفيان ابن مهدي وأبو نعيم ، عن ، موقوفا، قال سفيان : والموقوف أشبه . الدارقطني
ومما يستدل لهذا - أيضا - ما خرجه عن البخاري . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمرة بن جندب جبرائيل وميكائيل أتياه فانطلقا به، وذكر حديثا طويلا، وفيه: "فإذا روضة خضراء فيها شجرة عظيمة وإذا شيخ في أصلها حوله صبيان، فصعدا بي الشجرة وأدخلاني دارا لمأرقط أحسن منها، فإذا فيها رجال وشيوخ وشباب وفيها نساء وصبيان "، وذكر الحديث وفيه: "قالا: فأما الشيخ الذي رأ يت في أصل الشجرة فذاك إبراهيم، وأما الصبيان الذي رأيت حوله فأولاد الناس " . وفي رواية: "فكل مولود مات على الفطرة، وأما الدار التي دخلت أولا فدار عامة المؤمنين، وأما الدار الأخرى فدار عامة الشهداء " . ورواه أنه رأى في منامه ابن خلدة، عن ، عن أبي رجاء العطاردي ، وفي حديثه: سمرة "قلت: فالذين في الروضة؟ قال: أولئك الأطفال، وكل بهم إبراهيم عليه السلام، يربيهم إلى يوم القيامة" . [ ص: 237 ] وخرج ، الطبراني ، من حديث والحاكم ، عن سليم بن عامر . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي أمامة "بينا أنا نائم انطلق بي إلى جبل وعر"، فذكر الحديث، وفيه: "ثم انطلق بي حتى أشرفت على غلمان يلعبون بين نهرين، قلت: من هؤلاء؟ قال: ذراري المؤمنين يحضنهم أبوهم إبراهيم - عليه السلام - ثم انطلق بي حتى أشرفت على ثلاثة نفر، قلت: من هؤلاء؟ قال: إبراهيم وموسى وعيسى - عليهم السلام - وهم ينتظرونك " . وذهبت طائفة إلى أنه يشهد لأطفال المؤمنين عموما أنهم في الجنة ولا يشهد لآحادهم، كما يشهد للمؤمنين عموما أنهم في الجنة، ولا يشهد لآحادهم وهو قول ، نقله عنه إسحاق بن راهويه إسحاق بن منصور وحرب في مسائلهما، ولعل هذا يرجع إلى الطفل المعين لا يشهد لأبيه بالإيمان، فلا يشهد له حينئذ أنه من أطفال المؤمنين، فيكون الوقف في آحادهم كالوقف في إيمان آبائهم .
وحكى عن طائفة من السلف القول بالوقف في أطفال المؤمنين، وسمى منهم ابن عبد البر ، حماد بن زيد ، وحماد بن سلمة . وابن المبارك وهذا بعيد جدا، ولعله أخذ ذلك من عمومات كلام لهم، وإنما أرادوا بها أطفال المشركين . وكذلك اختار القول بالوقف طائفة منهم: وإسحاق، ، الأثرم . وذكر أن والبيهقي رجع إليه والإمام ابن عباس ذكر أن أحمد إنما قال ذلك في أطفال المشركين، وإنما أخذه ابن عباس من عموم لفظ روي عنه، كما أنه روي في [ ص: 238 ] بعض ألفاظ حديث البيهقي ، أبي هريرة ولكن الحفاظ الثقات ذكروا أنه سئل عن أطفال المشركين . واستدل القائلون بالوقف، بما أخرجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الأطفال، فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين "، ، من حديث مسلم فضيل بن عمرو ، عن ، عن عائشة بنت طلحة أم المؤمنين - رضي الله عنها -، قالت: عائشة وخرجه توفي صبي، فقلت: طوبى له، عصفور من عصافير الجنة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أو لا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلا ولهذه أهلا" . - أيضا - من طريق مسلم طلحة بن يحيى، عن عمته ، عن عائشة بنت طلحة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: عائشة الأنصار، فقلت: يا رسول الله طوبى لهذا، عصفور من عصافير أهل الجنة، لم يعمل السوء ولم يدركه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أو غير ذلك يا ، إن الله خلق للجنة أهلا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم " . عائشة وقد ضعف دعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنازة صبي من رضي الله عنه هذا الحديث من أجل الإمام أحمد طلحة بن يحيى، وقال: قد روى مناكير، وذكر له هذا الحديث، وقال فيه: ليس بالقوي . وأما رواية ابن معين فضيل بن عمرو له عن فقال عائشة، : ما أراه سمعه إلا من أحمد طلحة بن يحيى، يعني أنه أخذه عنه، ودلسه، حيث رواه عن . [ ص: 239 ] وذكر عائشة بنت طلحة أنه لا يحفظ إلا من حديث العقيلي . ويعارض هذا ما خرجه طلحة ، من حديث مسلم أبي السليل، عن أبي حسان ، قال: : إنه قد مات لي ابنتان، فما أنت محدثي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا، قال: نعم، صغارهم دعاميص أهل الجنة، يتلقى أحدهم أباه - أو قال أبويه - فيأخذ بثوبه، أو قال بيده - كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا فلا يتباهى أو قال: فلا ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة" . لأبي هريرة وفي "الصحيحين " عن قلت رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أنس ولهذا قال "ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم " . : "هو يرجى لأبويه، فكيف يشك فيه؟ " يعني أنه يرجى لأبويه بسببه دخول الجنة . ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أولا عن الشهادة لأطفال المسلمين بالجنة قبل أن يطلع على ذلك، لأن الشهادة على ذلك تحتاج إلى علم به، ثم اطلع على ذلك فأخبر به، والله أعلم . الإمام أحمد
القسم الثاني: أهل التكليف من المؤمنين سوى الشهداء: