أي: إن هذه الأصنام فوق أنها لا تضر ولا تنفع، ولا تنصر أحدا، ولا ينصرون أنفسهم إذا رامها عدوها السوء - لا تجيب نداء، ولا ترد دعاء، ولذا قال تعالى: وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم وهذا لا يخلو من تهكم؛ لأن الأحجار لا تعقل ولا تدرك، فلا يتصور منها ضلال أو هداية، إنما ذلك لصاحب العقل الذي يرشد أو يضل، وأصل العقل ليس قائما فيهم.
وإنه سواء عليكم أقلتم أم لم تقولوا فهم لا يسمعون قولا، ولا يردون قولا، ولذا قال تعالى: سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون
أي أنه يستوي دعوتهم بألسنتكم أم صمتكم عنهم، وعبر في الجملة الأولى بالفعل الماضي أدعوتموهم وعبر عن المعادلة الثانية بالجملة الاسمية أنتم صامتون لأن الأصل هو الصمت، ولأن الصمت أولى; لأنه هو الجدير بالأخذ في هذا المقام، إذ القول لغو، وصون اللسان عن اللغو أولى؛ ولأن الأوثان غير جديرة لأنها أحجار، والخطاب شأن العقول.
ساق كتاب السير والصحاح أنه روي أن معاذ بن عمرو بن الجموح - رضي الله عنهما - وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول الله المدينة، فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها؛ ليعتبر قومهما بذلك، ولم يؤثروا لأنفسهم، فكان ومعاذ بن جبل - وكان سيدا في قومه - صنم يعبده، ويطيبه، فكانا يجيئان في الليل، فينكسانه على رأسه ويلطخانه [ ص: 3034 ] بالعذرة، فيجيء لعمرو بن الجموح فيرى ما صنعا به فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفا، ويقول له: انتصر، ثم يعود لمثل ما صنعوا، ويعود لمثل صنيعه أيضا، حتى أخذاه مرة فقرناه مع كلب ميت ودلياه في حبل في بئر هناك، فلما جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك نظر فعلم أن ما كان عليه من الدين باطل، وقال: عمرو بن الجموح
تالله لو كنت إلها مستدن لم تك والكلب جميعا في قرن
هذه صورة من صور الوثنية.
ولقد أدرك الدين الحق فأسلم وحسن إسلامه، واستشهد يوم أحد. عمرو بن الجموح
تدرج الله تعالى مستنكرا لعبادتهم من أدنى حال متصورة لهم إلى أعلاها، فذكر أنها أحجار لا تضر ولا تنفع ولا تستطيع لأحد نصرا ولا تنصر نفسها، ثم صور لهم أنها تنادى فلا تجيب لأنها لا حياة فيها، إنما يجيب النداء الأحياء ولو كانت تنعق،