قال الله تعالى:
فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
ابتدأت الدعوة المحمدية بإعلانها بين أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان أول من آمن ثم خديجة، ثم علي بن أبي طالب، ثم بين أصدقائه الذين يعرفون أمانته وفضل خلقه وعظمة نفسه زيد بن حارثة، ثم أصدقائه كأبي بكر وهكذا نبتت في خفاء كما نبتت البذرة في ركن مستور مغشى بلباب، حتى أمر الله نبيه أن يجهر وسط عشيرته فقال: كعثمان، وأنذر عشيرتك الأقربين فجمعهم وأنذرهم ومنهم من ردوا سيئا كأبي لهب، ولكن العبادة كانت في خفاء لا يخرج المؤمنون جهارا، والإيذاء مع ذلك يتوالى، حتى دخل بعض الأقوياء بأشخاصهم فوق شرفهم النسبي والفاروق كحمزة بن عبد المطلب فكان الجهر وتلقي الأذى بالمجاهرة ونزل قوله تعالى: عمر بن الخطاب، فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين
اصدع، معناها اجهر بما تدعو إليه مأمورا به، ولا تبال أحدا، وأعرض عنهم، والصدع شق الشيء الصلب وتفريق أجزائه، أو الوصول إلى ما وراءه ولا [ ص: 4116 ] يبقى حاجزا، أو من الصديع وهو ظهور الفجر الصادق يشق ظلام الليل البهيم، ويحيط النور الأبيض يشق الجو المظلم.
والمعنى حينئذ: اجهر بالحق، وشق به ظلام الجاهلية، كما يشق الفجر بنوره ظلمة الليل.
وقوله تعالى: بما تؤمر أي أن شق الظلام بالنور هو بما تؤمر، فهو النور الذي يشق الظلام.
وقوله تعالى وأعرض عن المشركين أي لا تلتفت إليهم، ولا تبال بهم، ولا تدهن معهم بقول في دين الله تعالى، ولا تحسب إن ممالأتهم تدنيهم، إنما يدنيهم الجهر بالحق مع الموعظة الحسنة من غير جفوة، ولا إدهان ودوا لو تدهن فيدهنون