وإن القرآن هو روح الشريعة، وأنه من أمر الله ومن شأنه، ولذا جاء ذكره بعد ذكر الروح التي من أمر الله تعالى، فقال تعالى:
ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا .
ذهب به يستعملها القرآن الكريم بمعنى أذهبه وكأن الباء تنوب عن همزة التعدية، كقوله تعالى: ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم أي لأذهبها ذهابا مؤكدا ومعناه ذهب بالذي أوحى أي محاه وصحبه وأخذه معه فهو يتضمن المحو عند الناس والأخذ به عند الله.
[ ص: 4448 ] واللام في قوله تعالى: ولئن شئنا اللام الموطئة للقسم، واللام في قوله تعالى: (لنذهبن) هي اللام الواقعة في جواب القسم، (ولنذهبن) القسم وهو قائم مقام جواب الشرط.
والمعنى أن الله تعالى يؤكد أن الله تعالى قادر على أن يذهب بهذه المعجزة التي بهرت العقول والأفهام، وعجز العرب عن أن يأتوا بمثلها لو شاء ذلك وأراده، ولكنه لم يشأه ولم يرتضه، وقوله: بالذي أوحينا إليك التعبير بالموصول فيه إشارة إلى أنه لا يشاء ذلك لأنه هو الذي أوحاه سبحانه وتعالى إليه، وقال تعالى: ثم لا تجد لك به علينا وكيلا (ثم) هنا في موضعها من التراخي المعنوي، أي لو ذهبنا به، بعد أن تجد من يتوكل بإعادته علينا، أي بإلزامنا وبغير مشيئتنا، فالباء متعلقة بـ (وكيلا) ، أي لا تجد لك وكيلا به يرده إليك علينا من غير مشيئتنا يلزمنا، معاذ الله تعالى أن يكون ذلك.
وإن هذا النص الكريم يفيد أمرين:
الأمر الأول: ومن الله تعالى على الخلق به؛ لأن فيه الشفاء والرحمة والهداية والموعظة، وهو فضل الله على عباده وأنه لو شاء لاسترده. منزلة القرآن ومكانه العظيم
الأمر الثاني: سنة بقائه إلى يوم القيامة نور الوجود الإنساني وهاديه ومرشده عندما تفسد الضمائر وتطمس القلوب.
والنص فوق دلالته المحكمة على مكانة القرآن الكريم وهدايته الدائمة يدل على أنه فاعل مختار وعلى أن قوله تعالى: