قالت لهم - بعد أن دبرت أمرها؛ وتعرفت مآل أمرها وحالها -: قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ؛ قدرت؛ ودبرت؛ ورأت المسالمة بدل المقاومة؛ رهبا من الملك؛ ورغبا في موادته؛ قالت - محذرة من غلوائهم؛ ومقدرة أمرها وأمرهم -: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ؛ و " القرية " ؛ هي المدينة العظيمة؛ التي تكون مكونة من جموع كثيرة متكاثفة؛ ودخولهم القرية العظيمة يكون بحرب جائحة تأكل الأخضر؛ واليابس؛ وهذا هو الفساد؛ والخراب؛ فلو أمكن - وفي شر ذلك - ما قد يكون خيرا؛ وذكرت أمرا آخر يفعله الملوك؛ وهو أن يجعلوا أعزة أهلها أذلة؛ إنما يقلبون الأوضاع فيها؛ فيجعلون من هم في موطن العزة والسلطان؛ هم الذين يكونون في موطن الذلة والهوان؛ وإنها في ذلك تشير إلى خوفها على نفسها من أنها في السنام منهم؛ قد تكون غير ذلك؛ وأنهم لهاميم قومهم؛ قد يكونون في غير مواضعهم؛ وسجلت أن ذلك حال الملوك دائما؛ وهو شأنهم؛ ولذا قالت: وكذلك يفعلون ؛ أي: ذلك شأنهم دائما؛ وكان التعبير بالفعل المضارع لتصور حالهم المستمرة الدائمة؛ كأنها شأن من شؤونهم؛ وغاية لهم. [ ص: 5453 ] اتجهت بعد ذلك إلى الملاينة والمسالمة؛ بالإهداء؛ والإهداء من المحبة؛ ويؤدي إليها؛ إذا لم يكن من ترسل إليه الهدية ملكا؛ ولذا قالت لملئها: وإني مرسلة إليهم بهدية ؛ ذكرتهم بصيغة الجمع؛ لأن الملك يكون معه جيش وأقوام؛ وهي ترسل إليهم جميعا بهدية؛ ويظهر أنها لا تتوقع الأمان المطلق؛ بل كانت تتوجس منهم خيفة؛ ولذا قالت: فناظرة بم يرجع المرسلون ؛ والفاء عاطفة؛ " ناظرة " ؛ بمعنى: منتظرة؛ مترقبة الأمر الذي يرجع به المرسلون؛ أسلام وأمان؛ أم حرب ودمار.