[ ص: 2508 ] قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين
في الآيات السابقة كان بيان الله سبحانه وتعالى للآيات الكبرى تتابع عليهم آية بعد آية، وهم معرضون، والله تعالى يذكرهم بسلطانه في الأرض وفي السماء وفي أنفسهم، وبين أن من يشركونهم مع الله لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، ولا يدفعون عنهم شيئا لو أخذ الله تعالى سمعهم وأبصارهم وختم على قلوبهم، ولا يملكون أن يدفعوا العذاب إذا أتاهم بغتة أو جهرة، ولم يبين علاقتهم بالمؤمنين وكلامهم في النبي -صلى الله عليه وسلم- وحوارييه، وفي هذه الآيات يتكلم في ذلك، فيقول الله تعالى: قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي
كان المشركون يستكثرون أن يكون محمد نبيا مرسلا، ولم يكن من الأغنياء العظماء في أموالهم، بل كان يتيما فقيرا، فقد قالوا: لولا نـزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وحسبوا أن النبي يجب أن يكون [ ص: 2509 ] محدثا عن الغيب، وقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمره الله تعالى أن يقول: أنه لا يعلم الغيب، قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون
وقد كانوا يقولون: إنهم يريدون ملكا رسولا. وقد أخبر تعالى عنهم:
مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وقد تولى الله سبحانه وتعالى ردهم في هذه الآيات، وأمره بأن يقول لهم:
قل لا أقول لكم عندي خزائن الله أمره الله تعالى بأن يحدد مضمون الرسالة، ولا يتوهموا أن الرسالة تقتضي أن يكون الرسول مالكا للأموال والخزائن، ولا أن يكون عليما بالغيب، وأن الرسول لم يدع شيئا من ذلك، وإن وأنه يوحى إليه من رب العالمين، وأنه مع من يدعوهم يتبع ما يوحى إليه من ربه. الرسول ليست له خاصة إلا أنه يبشر وينذر،
إن الرسالة الإلهية يضعها الله تعالى في عباده المصطفين الأخيار من البشر الله أعلم حيث يجعل رسالته وإن محمدا -صلى الله عليه وسلم- ما تطاول بفضل مال ولا ثروة، ولا غنى، ولكنه كان فقيرا بين الفقراء قريبا منهم متدانيا إليهم يخفق قلبه معهم، ويحس بآلامهم، وكان من البشر، ليخاطب البشر، ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون وإن التفرقة ليست بالغنى والفقر، وإنما التفرقة بالهداية والضلال، والعلم والجهل; ولذا قال سبحانه في التفرقة بين من استبصر وأدرك ولو فقيرا، وبين من ضل وغوى، ولو كان غنيا: قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون
أمر الله تعالى نبيه بأن ينبههم إلى أنه لا يستوي العالم والجاهل والمهدي والضال، والرشيد والسفيه، وكان أمر الله تعالى بذلك لنبيه، وتكرار الأمر بأن يقول لهم ما يقول، لفضل التنبيه، ولتقوية الإيمان بأنه يتكلم عن ربه، ولأنه الذي يتولى محاجاتهم، والاستفهام هنا لنفي الوقوع مع التنبيه إلى هذا، والمراد من [ ص: 2510 ] الأعمى غير المدرك للحقيقة وغير المهتدي، ومن طمس الله تعالى على بصيرته فأصبح الحق لا يصل إليه، والمبصر من أدرك كل هذا، ففي الكلام تشبيه الضلال بالعمى، وإدراك الحق والإذعان له والاهتداء بالبصر; لأنه يعيش في نور البصيرة، والأول يعيش في ظلام الجهل والضلال.
وقدم العمى في الذكر على البصر; لأن المشركين يدعون أنهم مع ضلالهم وجهلهم، وبعدهم أعلى من أتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- من المؤمنين، وذلك لكثرة أموالهم، وقلة أموال المؤمنين، فبين سبحانه أنهم لا يمكن أن يساووهم فضلا أن يعلوا عليهم; لأن الأعمى ولو غنيا، لا يساوي المبصر ولو فقيرا، وكان عليهم بدل أن يفضلوا أنفسهم على المؤمنين لفقرهم أن يتفكروا ويتدبروا في أسباب الفقر والغنى، وأسباب الفضل وأسباب العلو، وأن يتعرفوا الهدى والضلال، وأن يتدبروا في حاضر أمرهم وقابله، وأن يعتبروا بالعظات والأمثال التي تساق إليهم، وأن يكشفوا عن أنفسهم غمة الاغترار والإعراض عن الحق، وألا يكونوا في غيهم يعمهون; ولذا قال تعالى: أفلا تتفكرون الفاء هنا موضعها قبل الاستفهام، ولكن الاستفهام له الصدارة فقدم عليها عن تأخير في نسق الكلام، والمعنى أنه كان يترتب على عدم المساواة بين الأعمى والبصير أن يتدبروا ويتفكروا، والاستفهام للتحريض على التفكير.