[ ص: 2516 ] وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين
قوله تعالى: وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم
السلام والسلامة بمعنى واحد. ومعنى "سلام عليكم " سلمكم الله في دينكم وأنفسكم; نزلت في الذين نهى الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- عن طردهم; فكان إذا رآهم بدأهم بالسلام وقال: "الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام" فعلى هذا كان السلام من جهة النبي -صلى الله عليه وسلم-. وقيل: إنه كان من جهة الله تعالى، أي: أبلغهم منا السلام، وعلى الوجهين ففيه دليل على فضلهم ومكانتهم عند الله تعالى. وفي صحيح عن مسلم عائذ بن عمرو أتى على أبا سفيان سلمان وصهيب ونفر فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها; قال: فقال وبلال أتقولون هذا لشيخ أبو بكر: قريش وسيدهم؟! فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- [ ص: 2517 ] فأخبره فقال: "يا لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك" فأتاهم أبا بكر، فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي; أبو بكر فهذا دليل على رفعة منازلهم وحرمتهم كما بيناه في معنى الآية. ويستفاد من هذا أن فإن في ذلك غضب الله، أي: حللوا عقابه بمن آذي أحدا من أوليائه. وقال احترام الصالحين واجتناب ما يغضبهم أو يؤذيهم; نزلت الآية في ابن عباس: أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - وقال وعلي الفضيل بن عياض: جاء قوم من المسلمين إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: إنا قد أصبنا من الذنوب فاستغفر لنا فأعرض عنهم; فنزلت الآية. وروي عن مثله سواء. أنس بن مالك
قوله تعالى: كتب ربكم على نفسه الرحمة أي: أوجب ذلك بخبره الصدق، ووعده الحق، فخوطب العباد على ما يعرفونه من أنه من كتب شيئا فقد أوجبه على نفسه. وقيل: كتب ذلك في اللوح المحفوظ: أنه من عمل منكم سوءا بجهالة أي: خطيئة من غير قصد. قال لا يعلم حلالا من حرام ومن جهالته ركب الأمر، فكل من عمل خطيئة فهو بها جاهل. وقيل: من آثر العاجل على الآخرة فهو الجاهل. مجاهد: فأنه غفور رحيم قرأ بفتح (أن) من "فأنه" ابن عامر وعاصم، وكذلك: أنه من عمل وقرأ الباقون بالكسر فيهما; فمن كسر فعلى الاستئناف، والجملة مفسرة للترجمة; و: "إن" إذا دخلت على الجمل كسرت وحكم ما بعد الفاء الابتداء والاستئناف فكسرت لذلك. ومن فتحهما فالأولى في موضع نصب على البدل من الرحمة، بدل الشيء من الشيء وهو هو فأعمل فيها "كتب" كأنه قال: كتب ربكم على نفسه أنه من عمل; وأما "فأنه غفور" بالفتح ففيه وجهان; أحدهما: أن يكون في موضع رفع بالابتداء والخبر مضمر، كأنه قال: فله أنه غفور رحيم; لأن ما بعد الفاء مبتدأ، أي: فله غفران الله. الوجه الثاني: [ ص: 2518 ] أن يضمر مبتدأ تكون "أن" وما عملت فيه خبره، تقديره: فأمره غفران الله له، وهذا اختيار ولم يجز الأول، وأجازه سيبويه، أبو حاتم. وقيل: إن "كتب" عمل فيها; أي: كتب ربكم أنه غفور رحيم. وروي عن علي بن صالح وابن هرمز كسر الأولى على الاستئناف، وفتح الثانية على أن تكون مبتدأة أو خبر مبتدأ أو معمولة ل: "كتب" على ما تقدم. ومن فتح الأولى: وهو نافع -جعلها بدلا من الرحمة، واستأنف الثانية لأنها بعد الفاء، وهي قراءة بينة.
قوله تعالى: