[ ص: 238 ] قال ( ومن لم يزل ملكه عن ذلك حتى يحكم به الحاكم عند بنى سقاية للمسلمين أو خانا يسكنه بنو السبيل أو رباطا أو جعل أرضه مقبرة ) ; لأنه لم ينقطع عن حق العبد ; ألا ترى أن له أن ينتفع به فيسكن في الخان وينزل في الرباط ويشرب من السقاية ، ويدفن في المقبرة فيشترط حكم الحاكم أو الإضافة إلى ما بعد الموت كما في الوقف على الفقراء ، بخلاف المسجد ; لأنه لم يبق له حق الانتفاع به فخلص لله تعالى من غير حكم الحاكم ( وعند أبي حنيفة يزول ملكه بالقول ) كما هو أصله ، إذ التسليم عنده ليس بشرط والوقف لازم . أبي يوسف
وعند إذا استقى الناس من السقاية وسكنوا الخان والرباط ودفنوا في المقبرة زال الملك ; لأن التسليم عنده شرط والشرط تسليم نوعه ، وذلك بما ذكرناه . ويكتفى بالواحد لتعذر فعل الجنس كله ، وعلى هذا البئر الموقوفة والحوض ، [ ص: 239 ] ولو سلم إلى المتولي صح التسليم في هذه الوجوه كلها ; لأنه نائب عن الموقوف عليه ، وفعل النائب كفعل المنوب عنه ، وأما في المسجد فقد قيل لا يكون تسليما ; لأنه لا تدبير للمتولي فيه ، وقيل يكون تسليما ; لأنه يحتاج إلى من يكنسه ويغلق بابه ، فإذا سلم إليه صح التسليم ، والمقبرة في هذا بمنزلة المسجد على ما قيل ; لأنه لا متولي له عرفا . وقيل هي بمنزلة السقاية والخان فيصح التسليم إلى المتولي ; لأنه لو نصب المتولي يصح ، وإن كان بخلاف العادة ، ولو جعل دارا له محمد بمكة سكنى لحاج بيت الله والمعتمرين ، أو جعل داره في غير مكة سكنى للمساكين ، أو جعلها في ثغر من الثغور سكنى للغزاة والمرابطين . أو جعل غلة أرضه للغزاة في سبيل الله تعالى ودفع ذلك إلى وال يقوم عليه فهو جائز ، ولا رجوع فيه لما بينا إلا أن في الغلة تحل للفقراء دون الأغنياء ، وفيما سواه من سكنى الخان والاستقاء من البئر والسقاية وغير ذلك يستوي فيه الغني والفقير ، [ ص: 240 ] والفارق هو العرف في الفصلين . فإن أهل العرف يريدون بذلك في الغلة الفقراء ، وفي غيرها التسوية بينهم وبين الأغنياء ، ولأن الحاجة تشمل الغني والفقير في الشرب والنزول . والغني لا يحتاج إلى صرف هذا الغلة لغناه ، والله تعالى أعلم بالصواب .