يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم [106]
من أشكل آية في القرآن، وقد ذكرنا فيها أقوالا للعلماء، ونذكر ههنا أحسن ما قيل فيها.
حدثنا الحسن بن آدم بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو زيد هارون بن محمد - يعرف بابن أبي الهيذام – قال: حدثني أبو مسلم الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال: حدثنا محمد بن سلمة قال: حدثنا ، عن محمد بن إسحاق أبي النضر، عن باذان مولى أم هانئ ابنة أبي طالب، عن ، عن ابن عباس تميم الداري في هذه الآية: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت قال: برئ الناس منها غيري وغير عدي بن بداء، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبيل الإسلام، فأقبلا من الشام بتجارتهما، وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بديل بن أبي مريم بتجارة، ومعه جام من فضة يريد به الملك، وهو مال عظيم، قال: فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله.
قال تميم: فلما [ ص: 45 ] مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم، واقتسمناه إليهما، أنا وعدي بن بداء، قال: فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا، وفقدوا الجام، فسألوا عنه، فقلنا: ما ترك غير هذا، وما دفع إلينا غيره.
قال تميم: فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة تأثمت من ذلك، فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر، وأديت إليهم خمسمائة درهم، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها، فوثبوا إليه، وأتوا به النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألهم البينة فلم يجدوا بأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه، فحلف، فأنزل الله - عز وجل -: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت إلى قوله جل وعز: أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا، فنزعت خمسمائة الدرهم من عدي بن بداء.
وحدثنا الحسن بن آدم قال: حدثنا أبو يزيد قال: حدثني أبو زائدة زكرياء بن يحيى بن أبي زائدة قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثني محمد بن القاسم ، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير ، عن أبيه، عن أن ابن عباس تميما الداري وعدي بن بداء كانا يختلفان إلى مكة في تجارة، فخرج معهما رجل من بني سهم ببضاعة، فتفي بأرض ليس فيها مسلم ، فأوصى إليهما، فجاءا بتركته، فدفعوها إلى أهله، وحبسوا عنهم جاما من فضة مخوصا بالذهب، قالوا: لم نره، فأتوا بهما النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر بهما فحلفا بالله - عز وجل - ما كتمنا ولا ظلمنا، فخلى سبيلهما، ثم إن الجام وجد بمكة، زعموا أنهم اشتروه من عدي وتميم، فقام رجل من أولياء السهميين فحلف بالله أن الجام لجام السهمي، ولشهادتنا أحق من شهادتهما، وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين، ثم أخذوا الجام وفيهم أنزلت هذه الآية.
شهادة بينكم رفع بالابتداء، وخبره (اثنان) والتقدير: شهادة اثنين، مثل: واسأل [ ص: 46 ] القرية
ويجوز أن يكون اثنان رفعا بفعلهما، أي: ليكن منكم أن يشهد اثنان، وقيل: شهادة رفع بـ إذا حضر لأنها شهادة مستأنفة ليست واقعة لكل الخلق، أي عند حضور الموت، والاثنان مرفوعان عند قائل هذا القول، بمعنى أن يشهد اثنان ذوا عدل منكم نعت أو آخران عطف من غيركم
قال : وقد ذكرنا ما فيه، وأنه قيل: أبو جعفر من غيركم من غير أهل دينكم، وقيل: من غير أقربائكم، والثاني أولى؛ لأن المعنى: أو آخران عدلان من غيركم، كذا يجب أن يكون معنى آخر في اللغة، ولا يكون غير المسلم عدلا.
إن أنتم ضربتم في الأرض أنتم رفع بفعل مضمر مثل الثاني تحبسونهما من بعد الصلاة أي: صلاة العصر، وخصت بهذا؛ لأنه لا ركوع بعدها، فالناس يتفرغون بعدها فيقسمان بالله يعني المدعى عليهما إن ارتبتم معترض، والتقدير: فيقسمان بالله يقولان: لا نشتري به ثمنا أي بقسمنا ولو كان ذا قربى معترض، أي: ولو كان الميت ذا قربى ولا نكتم شهادة الله متصل بقوله: ثمنا
وقرأ ابن محيصن: (إنا إذا لملاثمين) أدغم النون في اللام وهذا رديء في العربية؛ لأن اللام حكمها السكون، وإن حركت فإنما الحركة للهمزة، ونظير هذا قراءة أبي عمرو : (وإنه أهلك عادا لولى). ونافع
قال : سمعت أبو جعفر محمد بن الوليد يقول: سمعت يقول: ما علمت أن أبا العباس محمد بن يزيد لحن في شيء في صميم العربية إلا في حرفين: أحدهما: (وإنه أهلك عادا لولى) والآخر: (يؤده
أبا عمرو بن العلاء