( وما كثر جمعه ) من المساجد ( أفضل ) مما قل جمعه منها ، وكذا [ ص: 142 ] ما كثر جمعه من البيوت أفضل مما قل جمعه منها للخبر المار . نعم الجماعة في المساجد الثلاثة ، وإن قلت أفضل من غيرها ، وإن كثرت ، بل قال المتولي : إن الانفراد فيها أفضل من الجماعة في غيرها وهو الأوجه وما قاله الأذرعي من كون القاعدة السابقة تنازع فيه يمكن الجواب عنه بأنها أغلبية ، على أن المساجد الثلاثة اختصت بخصائص دون سائر المساجد فلا يقاس عليها .
وأفتى الغزالي بأنه إذا كان لو صلى منفردا خشع : أي في جميع صلاته ، ولو صلى في جماعة لم يخشع فالانفراد أفضل ، وتبعه ابن عبد السلام . قال الزركشي تبعا للأذرعي : والمختار بل الصواب خلاف ما قالاه ، وهو كذلك لما مر من الخلاف في أن الجماعة فرض عين ، وهو أقوى من الخلاف في كون الخشوع شرطا فيها ، ومن ثم كان الراجح أنها فرض كفاية ، وأنه سنة ( إلا لبدعة إمامه ) التي لا يكفر بها كمعتزلي ورافضي وقدري ومثله الفاسق كما في المجموع والمتهم بذلك كما في الأنوار وكل من يكره الاقتداء به كما في التوسط والخادم ، أو لكون الإمام لا يعتقد وجوب بعض الأركان أو الشروط كحنفي أو غيره ، وإن أتى بها لقصده بها النفلية وهو مبطل عندنا ولهذا منع من الاقتداء به مطلقا بعض أصحابنا ، وتجويز الأكثر له ; لمراعاة مصلحة الجماعة واكتفاء بوجود صورتها ، وإلا لم يصح اقتداء بمخالف وتعطلت الجماعات فالأقل جماعة أفضل . ولو تعذرت الجماعة إلا خلف من يكره الاقتداء به لم تنتف الكراهة كما شمله كلامهم ، ولا نظر لإدامة تعطيلها لسقوط فرضها حينئذ ( أو تعطل مسجد قريب ) أو بعيد عن الجماعة ( لغيبته ) عنه لكونه إمامه أو يحضر الناس بحضوره ، فقليل [ ص: 143 ] الجمع أفضل من كثيره في ذلك ، ومقتضى قول الأصحاب أن الاقتداء بإمام الجمع القليل أفضل من الاقتداء بإمام الجمع الكثير إذا كان مخالفا فيما يبطل الصلاة حصول فضيلة الجماعة خلف هؤلاء ، وأنها أفضل من الانفراد .
قال السبكي : إن كلامهم يشعر به وجزم به الدميري . وقال الكمال بن أبي شريف : لعله الأقرب ، وهو المعتمد وبه أفتى الوالد رحمه الله ، وما قاله أبو إسحاق المروزي من عدم حصولها وجه ضعيف وقد نظر فيه الطبري ، بل نقل [ ص: 144 ] عن أبي إسحاق أن الاقتداء بالمخالف غير صحيح .
ويستثنى من كون كثير الجمع أفضل من قليله صور أيضا : منها ما لو كان قليل الجمع يبادر إمامه في الوقت المحبوب فإن الصلاة معه في أول الوقت أولى كما قاله في شرح المهذب . ومنها ما لو كان إمام الجمع الكثير سريع القراءة والمأموم بطيئها لا يدرك معه الفاتحة ويدركها مع إمام الجمع القليل قاله الفوراني .
ومنها ما لو كان قليل الجمع ليس في أرضه شبهة وكثير الجمع بخلافه لاستيلاء ظالم عليه ، فالسالم من ذلك أولى ، ولو استوى مسجدا جماعة قدم الأقرب مسافة لحرمة الجوار ، ثم ما انتفت الشبهة فيه عن مال بانيه أو واقفه ثم يتخير .
نعم إن سمع النداء مرتبا فذهابه إلى الأول أفضل كما بحثه الأذرعي ; لأن مؤذنه دعاه أولا .


