فصل في تفريق الصفقة وتعددها وتفريقها : إما في الابتداء أو الدوام [ ص: 478 ] أو في الأحكام ، وسيأتي هكذا وضابط الأول أن يشتمل العقد على ما يصح بيعه وما لا يصح فإذا ( أو ) باع ( مشتركا بغير إذن الآخر ) أي الشريك كما قال ( باع ) في صفقة متحدة ( خلا وخمرا ) أو خنزيرا وشاة ( أو ) باع ( عبده وحرا أو عبده وعبد غيره ) الشارح ، وإنما قصر كلام المصنف عليه لئلا يعود إلى مسألة بيع عبده وعبد غيره ، وقد يقال بصحة رجوعه لهما أيضا ليفيد الصحة فيهما بإذن الآخر ، لكن محله إن فصل الثمن وحينئذ فقد تعدد العقد وذلك لا يضر في المفهوم ، فإن لم يفصله لم يصح في شيء للجهل بما يخص كلا منهما عند العقد ( صح في ملكه في الأظهر ) وبطل في الآخر إعطاء لكل منهما حكمه سواء أقال هذين أم هذين الخلين أم القنين أم الخل والخمر والقن والحر ، أما [ ص: 479 ] عكسه كبعتك الحر والعبد فباطل في الكل ، قاله الزركشي ; لأن العطف على الممتنع ممتنع .
ومن ثم لو قال نساء العالمين طوالق وأنت يا زوجتي لم تطلق لعطفها على من لم تطلق ، قال الوالد رحمه الله تعالى : وليس هذا القياس بصحيح وإنما قياسه أن يقول هذا الحر مبيع منك وعبدي فإنه لا يصح ، بخلاف المثال المذكور فإنه يصح في العبد إذ العامل في الأول عامل في الثاني ، وقياسه في الطلاق أن يقول طلقت نساء العالمين وزوجتي فإنها تطلق في هذه الحالة ، وما ذكره المصنف مثال وإلا فهو جار في الجمع بين كل ما يصح فيه العقد وما لا يصح ، لكن بشرط العلم في نحو المبيع ليأتي التوزيع الآتي فلو جهله أحدهما لم يصح فيهما كما يأتي في بيع الأرض مع بذرها ، ويجري إلا فيما إذا كان كل واحد قابلا للعقد لكن امتنع لأجل الجمع كنكاح الأختين فلا يجري فيهما اتفاقا وإنما بطل في الجميع فيما لو أجر الراهن المرهون مدة تزيد على محل الدين أو الناظر الوقف أكثر مما شرطه الواقف لغير ضرورة أو استعار شيئا ليرهنه بدين فزاد عليه لخروجه بالزيادة عن الولاية على العقد فلم يمكن التبعيض ، وفيما إذا فاضل في الربوي كمدبر بمدين منه أو زاد في خيار الشرط على ثلاثة أيام لما يأتي فيه [ ص: 480 ] أو في العرايا على القدر الجائز لوقوعه في العقد المنهي عنه وهو لا يمكن التبعيض فيه ، وفيما لو تفريق الصفقة في غير البيع كإجارة ونحوها فلا يصح في شيء منها كما نقله كان بين اثنين أرض مناصفة فعين أحدهما منها قطعة محفوفة بجميعها وباعها من غير إذن شريكه الزركشي عن البغوي وأقره ; لأنه يلزم على صحته في نصيبه منها الضرر العظيم للشريك بمرور المشتري في حصته إلى أن يصل إلى المبيع ا هـ .
ويظهر حمله على ما إذا تعين الضرر طريقا ، وإلا فالأوجه خلافه لتمكنه من رفع ذلك بالشراء أو الاستئجار للممر أو القسمة فلم يتعين الإضرار ، ويؤيده ما مر في مبحث ما ينقص بقطعه ، ولا ينافيه ما مر من عدم صحة بيع مسكن بلا ممر مطلقا لشدة حاجته إلى الممر بخلاف ما هنا ، وخرج بقوله بغير إذن الآخر بيعه بإذنه فيصح جزما ، ولا يشكل على ما ذكر في عبده وعبد غيره ولا على ما يأتي من أن الصحة في الحل بالحصة من المسمى باعتبار قيمتهما قولهم لو باع عبديهما بثمن واحد لم يصح للجهل بحصة كل عند العقد ; لأن التقويم تخمين وهذا بعينه جار فيما هنا إذ نحو عبده الذي صح البيع فيه ما يقابله مجهول عند العقد لظهور الفرق ، إذ الجهل هنا لا يترتب عليه محذور وهو التنازع لا إلى غاية لاندفاع الضرر بثبوت الخيار للمشتري بخلافه في تلك فإن صحته فيهما يترتب عليها ذلك المحذور .
لا يقال : قد لا يثبت الخيار للمشتري بسبب كونه عالما بالمفسد كما يأتي فلم صح المبيع في الحل حينئذ مع الجهل حالة العقد بحصته من الثمن ووقوع التنازع بينهما لا إلى غاية وانقطاعه بقول المقومين جار في الصورتين بلا فرق .
لأنا نقول : الفرق بينهما أن إيراد العقد عليهما مع العلم بالحرام نادر فأعطوه حكم الغالب من عدم الصحة في الحرام إعطاء لكل منهما حكمه لا في ثبوت الخيار تغليظا عليه ، ولم يبالوا بتخلف علتهم فيه لندوره ، والتعاليل إنما تناط بالأعم الأغلب ، وأوضح من ذلك أن يقال إن التنازع فيما نحن فيه يؤدي إلى الاختلاف في قدر الثمن وهو يرتفع بالتحالف المؤدي للفسخ وثم التنازع بين البائعين ولا تخالف فيه فيدوم ، ومقابل الأظهر البطلان في الجميع تغليبا للحرام على الحلال .
قال الربيع : وإليه رجع آخرا ورد باحتمال كونه آخرهما في الذكر لا في الفتوى ، وإنما يكون المتأخر مذهب الشافعي إذا أفتى به ، أما إذا ذكره في مقام الاستنباط والترجيح ولم يصرح بالرجوع عن الأول فلا ، والقولان بالأصالة في بيع عبده وعبد غيره وطردا في بقية الصور والصحة [ ص: 481 ] في الأولى دونها في الثانية ، وفي الثانية دونها في الثالثة ، وفي الثالثة دونها في الرابعة لما مر في التقدير في الأولين مع فرض تغيير الخلقة في الأولى ، ولما في الثالثة من الجهل بما يخص عبد البائع بخلاف ما يخصه في الرابعة . الشافعي