( فصل ) في بيان لقط الحيوان وغيره وتعريفها وما نوزع به من كون هذه من كبارها . ( الحيوان المملوك ) ويعرف ذلك بكونه موسوما أو مقرطا مثلا ( الممتنع من صغار السباع ) كنمر وفهد وذئب
وأجيب عنه بحملها على صغارها أخذا من كلام ابن الرفعة مردود بأن الصغر من الأمور النسبية ، فهذه وإن كبرت في نفسها هي صغيرة بالنسبة إلى الأسد ونحوه ( بقوة كبعير وفرس ) وحمار وبغل وبقر ( أو بعدو كأرنب وظبي أو طيران كحمام ) وهو كل ما عب وهدر كقمري ويمام [ ص: 433 ] ( إن وجد بمفازة ) ولو آمنة ، وهي المهلكة .
سميت بذلك على القلب تفاؤلا كما قيل ، وقال . ابن القطاع
بل من فاز هلك ونجا فهو ضد فهي مفعلة من الهلاك ( فللقاضي ) أو نائبه ( التقاطه للحفظ ) لأن له ولاية على أموال الغائبين ، ولا يلزمه وإن خشي ضياعه كما اقتضاه كلامه ، بل قال السبكي : إذا لم يخش ضياعه لا ينبغي أن يتعرض له ، والأذرعي يجب الجزم بتركه عند اكتفائه بالرعي والأمن عليه ولو أخذه احتاج للإنفاق عليه قرضا على مالكه واحتاج مالكه لإثبات ملكه وقد يتعذر عليه ذلك ، فإن لم يكن ثم حمى ، قال القاضي : باعه وحفظ ثمنه لأنه الأنفع ، نعم ينتظر صاحبه يوما أو يومين إن جوز حضوره ، والأوجه تخيير الحاكم بين الثلاثة مع رعاية الأصلح أخذا من إلزامه بالعمل به في مال الغائب ( وكذا لغيره ) من الآحاد أخذه للحفظ من المفازة ( في الأصح ) صيانة له من أخذ خائن ، ومن ثم جاز له ذلك في زمن الخوف قطعا .
والثاني لا إذ لا ولاية للآحاد على مال الغير .
أما إذا أمن عليه : أي يقينا امتنع أخذه قطعا كما في الوسيط ، ومحله كما اعتمده في الكفاية إن لم يعرف صاحبه وإلا جاز له أخذه قطعا ويكون أمانة في يده ( ويحرم ) على الكل ( التقاطه ) زمن الأمن من المفازة ( للتملك ) للنهي عنه في ضالة الإبل ، وقيس بها غيرها بجامع إمكان عيشها من غير راع إلى وجود مالكها لها لتطلبه ذلك ، فإن أخذ ضمنه ولم يبرأ إلا برده للحاكم .
أما زمن النهب فيجوز التقاطه للتملك قطعا في الصحراء وغيرها .
وتقييد بعضهم ذلك بما إذا لم تكن عليه أمتعة وإلا بأن كان لا يمكن أخذها إلا بأخذه ، فالظاهر أن له حينئذ أخذه للتملك تبعا لها ، ولأن وجودها عليه وهي ثقيلة يمنعه من ورود الماء والشجر والفرار من السباع ، وقد يفرق بين الأمتعة الخفيفة والثقيلة ، وهو الأوجه مخالف لكلامهم إذ لا تلازم بين أخذها وأخذه ، ولا يلزم من أخذها وهي عليه وضع يده عليه فيتخير في أخذها بين التملك والحفظ وهو لا يأخذه إلا للحفظ ، ودعوى أن وجودها ثقيلة عليه صيره كغير الممتنع ممنوعة ، وخرج بالمملوك غيره ككلب يقتنى فيحل التقاطه ، وله الاختصاص والانتفاع به [ ص: 434 ] بعد تعريفه سنة ، والبعير المقلد تقليد الهدي يأخذه واجده في أيام منى ويعرفه ، فإن خاف خروج وقت النحر نحره وفرقه .
ويستحب استئذان الحاكم ، ولعل وجه تجويزهم ذلك في مال الغير بمجرد التقليد مع كون الملك لا يزول به مع قوة القرينة المغلبة على الظن أنه هدي مع التوسعة على الفقراء وعدم تهمة الواجد فإن المصلحة لهم لا له فاندفع ما لبعض الشراح هنا ، وظاهر أنه لو ظهر مالكه وأنكر كونه هديا صدق بيمينه ، وحينئذ فالقياس أنه يستقر على الذابح ما بين قيمته حيا ومذبوحا لأنه هو الذي فوته بذبحه ويستقر على الآكلين بدل اللحم والذابح طريق ، والأوجه جواز تملك منفعة موقوف لم يعلم مستحقها بعد تعريفها لأنها مملوكة للموقوف عليه فهي من حيز الأموال المملوكة ، وجواز تملك منفعة موصى بها كذلك كرقبته لأنهما مملوكان ، الرقبة للوارث والمنفعة للموصى له وإن رجح الزركشي من تردد له عدم جواز تملكهما ( وإن وجده ) أي الحيوان المذكور ( بقرية ) مثلا أو ما يقاربها عرفا بحيث لا يعد في مهلكة فيما يظهر ( فالأصح جواز التقاطه ) في غير الحرم والأخذ بقصد الخيانة ( للتملك ) لتطرق أيدي المجتازين عليه هنا دون المفازة لندرة طروقها ولاعتياد إرسالها فيها بلا راع فلا يكون ضالة ، بخلاف العمران .
والثاني المنع كالمفازة لإطلاق الخبر ، ورد بأن سياقه يقتضي المفازة بدليل " دعها ترد الماء وترعى الشجر " ، وقد يمتنع التملك كالبعير المقلد وكما لو دفعها للقاضي معرضا عنها ثم عاد لإعراضه المسقط لحقه ( وما لا يمتنع منها ) أي للحفظ و ( للتملك في القرية ) ونحوها ( والمفازة ) زمن أمن ونهب ولو لغير القاضي كما اقتضاه إطلاق الخبر وصونا له عن الضياع ( ويتخير آخذه ) أي المأكول للتملك ( من مفازة ) بين أمور ثلاثة ( فإن شاء عرفه ) وينفق عليه ( وتملكه ) بعد التعريف كغيره ( أو باعه ) بإذن الحاكم إن وجده ( وحفظ ثمنه ) كالآكل بل أولى ( وعرفها ) أي اللقطة التي باعها لا الثمن ولذا أنث الضمير هنا لئلا يوهم عوده إلى الثمن وذكره في أكله لعدم الإيهام فيه ( ثم تملكه ) أي الثمن ( أو ) [ ص: 435 ] تملكه حالا ثم ( أكله ) إن شاء إجماعا ، ولا يجوز له أكله قبل تملكه نظير ما يأتي فيما يسرع فساده ( وغرم قيمته ) يوم تملكه لا أكله كما سيصرح به آخر الباب ( إن ظهر مالكه ) ولا يجب في هذه الخصلة تعريفه على الظاهر عند الإمام ، وسيأتي عنه نظيره بما فيه ، وعلل ذلك بأن التعريف إنما يراد للتملك وقد وقع قبل الأكل واستقر به بدله في الذمة ، ومن ثم لم يلزمه إفرازه بل لا يعتد به لأن بقاءه بذمته أحفظ ، وليس له بيع بعضه للإنفاق لئلا تستغرق النفقة باقيه ولا الاستقراض على المالك لذلك ، والفرق بينه وبين ما مر في هرب الجمال أنه ثم يتعذر بيع العين ابتداء لتعلق الإجارة بها وعدم الرغبة فيها غالبا حينئذ ولا كذلك اللقطة ، ولا يرجع بما أنفق إلا إذا أذن له الحاكم عند إمكان مراجعته ، وإلا كأن خاف عليه أو على ماله فيما يظهر أشهد على أنه ينفق بنية الرجوع والأولى أولى لحفظ العين بها على مالكها ، ثم الثانية لتوقف استباحة الثمن على التعريف ، ومحل ذلك ما لم يكن أحدها أحظ للمالك وإلا تعين كما قاله المالك ويؤيده ما يأتي ، وزاد أيضا رابعة وهي تملكها حالا ليستبقيها حية لدر ونسل لأنه أولى من الأكل وله إبقاؤه لمالكه أمانة إن تبرع بإنفاقه ولو أعيا بعير مثلا فتركه فقام به غيره حتى عاد كحاله لم يملكه ، ولا رجوع له بشيء إلا إن استأذن الحاكم في الإنفاق ، أو أشهد عند فقده أنه ينفق بنية الرجوع ، [ ص: 436 ] خلافا صغار السباع ( كشاة ) وعجل وفصيل وكثير إبل وخيل ( يجوز التقاطه ) لأحمد في كونه يملكه والليث في الرجوع بما صرفه ، ومن أخرج متاعا غرق لم يملكه ، وما نقل عن ولمالك من ملكه له رد بأن الإجماع على خلافه ( فإن أخذه من العمران ) أو لم يكن مأكولا ( فله الخصلتان الأوليان لا الثالثة ) وهي الأكل ( في الأصح ) لسهولة البيع هنا لا ثم والمشقة نقلها إلى العمران ، وقضيته امتناع الأكل فيما مر لو نقلها إلى العمران . والثاني له الأكل أيضا كما في الصحراء . الحسن البصري
وأجاب الأول بأنه إنما أبيح له الأكل في الصحراء لأنه قد لا يجد فيها من يشتريه بخلاف العمران ، ومراده بالعمران الشارع والمساجد ونحوها لأنها مع الموات محال اللقطة .