( وإذا استعمل ) أي ( أراق الآخر ) استحبابا لئلا يتشوش بتغير ظنه فيه ما لم يحتج إليه لنحو عطش ، وعلم أن الإراقة مقدمة على الاستعمال ( فإن تركه ) من غير إراقة ( وتغير ظنه ) فيه من النجاسة إلى الطهارة بسبب ظهور أمارة له واحتاج إلى الطهارة ( لم يعمل بالثاني ) من ظنيه فيه ( على النص ) لئلا ينقض ظن بظن ( بل يتيمم ) ويصلي ( بلا إعادة في الأصح ) لعدم حصول طاهر بيقين معه ، والثاني يعيد ; لأن معه طاهرا بالظن ، فإن أراقه قبل الصلاة لم يعد جزما ، وعبر بقوله تغير ظنه دون اجتهاده تنبيها على عدم تسميته اجتهادا لفقد شرطه على رأي المصنف . أراد أن يستعمل ( ما ظنه ) الطهور من الماءين بالاجتهاد
ويجوز أن يحمل كلامه أيضا ليأتي على طريقته على ما إذا بقي بعض الأول ثم تغير اجتهاده ثم تلف الباقي دون الآخر ثم تيمم ، إذ قضية كلام المجموع ترجيح عدم الإعادة في ذلك أيضا ، ويجوز حمله على ما إذا بقي من الأول بقية ، ويقيد كلامه بما إذا خلطهما مثلا قبل التيمم ليصح على رأيه ، ويقيد عدم الإعادة بما إذا كان بمحل لم يغلب وجود الماء فيه ، ويكون ذلك مع قطع النظر عن قوله في الأصح فمعه يتعين تخريجه ، على رأي الرافعي فقط ; لأنه طاهر بالظن ، ودعوى بعضهم تخالفهما في الإعادة ، وإنما على طريقة الرافعي لا تجب ، وعلى طريقة النووي تجب ; لأن معه طهورا [ ص: 97 ] بيقين غفلة عن وجوب تقييد ما أطلقه هنا بما قدمه من أن الخلط : أي أو نحوه شرط لصحة التيمم ، وهذا المسلك في تقرير عبارته أولى من إطلاق بعضهم تخريج كلامه على الرأيين ، وبعضهم حصره على رأي الرافعي ، أما إذا بقي من الأول بقية وإن لم تكفه لطهارته فإنه يجب عليه إعادة الاجتهاد إن احتاج إليها ; لأن معه ماء متيقن الطهارة ، فإن كان على طهارته لم تجب إعادته إلا أن يتغير اجتهاده قبل الحدث فلا يصلي بتلك الطهارة لاعتقاده الآن بطلانها فهو كما لو أحدث واجتهد وتغير اجتهاده ، قاله ابن العماد وهو ظاهر .
ثم إذا أعاده فإن اتفق الاجتهادان فذاك ، وإن اختلفا بأن ظن طهارة ما ظن نجاسته أولا ففيه الخلاف السابق ، والأرجح منه عدم العمل بالثاني وإن كان أوضح من الأول لما فيه من إن غسل ما أصابه الأول ، ومن الصلاة بنجاسة إن لم يغسله وبهذا فارق جواز العمل بالثاني في نظيره من الثوب والقبلة ، واستنبط نقص الاجتهاد بالاجتهاد البلقيني من التعليل السابق أن محل عدم [ ص: 98 ] العمل بالثاني إذا لم يستعمل بعد الأول ماء طهورا بيقين أو باجتهاد غير ذلك الاجتهاد لانتفاء التعليل حينئذ الذي ذكروه في هذا التصوير ، قال : ولم أر من تعرض له . قلت : وهو واضح وقد أفتى به الوالد رحمه الله تعالى . وعلم مما تقدم وجوب إعادة الاجتهاد لكل صلاة يريد فعلها ، نعم إن كان ذاكرا لدليله الأول لم يعده ، بخلاف الثوب المظنون طهارته بالاجتهاد فإن بقاءه بحاله بمنزلة بقاء الشخص متطهرا فيصلي فيه ما شاء حيث لم يتغير ظنه ، سواء أكان يستتر بجميعه أم يمكنه الاستتار ببعضه لكبره ، فقطع منه قطعة واستتر بها وصلى ثم احتاج إلى الستر لتلف ما استتر به فلا يحتاج إلى إعادة الاجتهاد كما اقتضاه كلام المجموع ، وهو المعتمد خلافا لبعض المتأخرين .
وخرج ابن سريج من النص في تغير الاجتهاد في القبلة العمل بالثاني وفرق بما تقدم