[ ص: 268 ] باب القضاء على الغائب
عن البلد أو المجلس لتوار أو تعزز مع ما يذكر معه ( هو جائز ) في كل شيء سوى عقوبة الله تعالى كما يأتي ، وإن كان الغائب في غير عمله للحاجة ولتمكنه من إبطال الحكم عليه بإثبات طاعن في البينة بنحو فسق أو في الحق بنحو أداء ، وليس له سؤال القاضي عن كيفية الدعوى لأن تحريرها إليه . نعم إن سجلت فله القدح بإبداء مبطل لها كما هو ظاهر ، { لهند امرأة أبي سفيان رضي الله عنهما لما شكت له من شحه خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف } فهو قضاء عليه لا إفتاء ، وإلا لقال لك أن تأخذي مثلا ، ورده في شرح ولأنه صلى الله عليه وسلم قال بأنه كان حاضرا مسلم بمكة غير متوار ولا متعزز لأن الواقعة في فتح مكة لما حضرت هند للمبايعة ، وذكر صلى الله عليه وسلم فيها أن لا يسرقن ، فذكرت هند ذلك ، واعترضه غيره بأنه لم يحلفها ولم يقدر المحكوم به لها ولم يحرر دعوى على ما شرطوه ، والدليل الواضح أنه صح عن عمر وعثمان رضي الله عنهما ولا مخالف لهما من الصحابة واتفاقهم على سماع البينة عليه فالحكم مثلها ، والقياس على سماعها على ميت وصغير مع أنهما أعجز عن الدفع عن الغائب ، وإنما تسمع الدعوى عليه بشروطها الآتية في بابها مع زيادة شروط أخرى . منها أنها لا تسمع عليه إلا ( إن كانت عليه ) حجة يعلمها الحاكم وقت الدعوى على ما دل عليه كلامهم وإن اعترضه القضاء على الغائب البلقيني وجوز سماعها إذا حدث بعدها علم البينة وتحملها ، وهو الأوجه . ثم تلك الحجة إما ( بينة ) ولو شاهدا ويمينا فيما يقضى فيه بهما ، وإما علم القاضي دون ما عداهما لتعذر الإقرار واليمين المردودة ( وادعى المدعي جحوده ) وأنه يلزمه تسليمه له [ ص: 269 ] الآن وأنه يطالبه بذلك ( فإن قال هو مقر ) وأنا أقيم البينة استظهارا مخافة أن ينكر أو ليكتب بها القاضي إلى قاضي بلد الغائب ( لم تسمع بينته ) وإن قال هو ممتنع وذلك لأنها لا تقام على مقر ، ولا أثر لقوله مخافة أن ينكر خلافا للبلقيني ، ويؤخذ منه عدم سماع الدعوى على غائب بوديعة للمدعي في يده لانتفاء الحاجة لذلك لكون المودع متمكنا من دعوى التلف أو الرد ، وما بحثه العراقي من سماع الدعوى بأن له تحت يده وديعة وسماع بينته بها لكن لا يحكم ولا يوفيه من ماله ، إذ ليس له في ذمته شيء ، ومن ثم لو كان معه بينة بإتلافه لها أو تلفها عنده بتقصير سمعها وحكم ووفاه من ماله لأن بدلها حينئذ من جملة الديون . قال : وإنما جوزنا ذلك لاحتمال جحود المودع وتعذر البينة فيضبطها عند القاضي بإقامتها لديه وإشهاده على نفسه بثبوت ذلك ليستغني بإقامتها عند جحود المودع إذا حضر لأنها قد تتعذر حينئذ مبني على ما نظر إليه شيخه البلقيني من أن مخافة إنكاره مسوغ لسماع الدعوى عليه . ويستثنى ما إذا كان للغائب عين حاضرة في عمل الحاكم الذي وقعت عنده الدعوى ، ولو لم يكن ببلده وأراد إقامة البينة على دينه ليوفيه فتسمع البينة وإن قال هو مقر ، وما استثناه البلقيني من أنه لو كان ممن لا يقبل إقراره لسفه أو نحوه لم يمنع قوله هو مقر من سماعها أو كانت بينته شاهدة بالإقرار فإنه يقول عند إرادة مطابقة دعواه بينته هو مقر لي بكذا ولي بينة ممنوع في الأخيرة ( وإن أطلق ) ولم يتعرض لجحود ولا إقرار ( فالأصح أنها تسمع ) لأنه قد يعلم جحوده في غيبته ويحتاج إلى إثبات الحق فتجعل غيبته ككسوته . والثاني لا تسمع إلا عند التعرض للجحود ولأن البينة إنما يحتاج إليها عنده ( و ) الأصح ( أنه لا يلزم القاضي نصب مسخر ) بفتح الخاء المشددة ( ينكر عن الغائب ) ومن في معناه مما يأتي لأنه قد يكون مقرا فيكون إنكار المسخر كذبا ، نعم يستحب نصبه كما صرح به في الأنوار وغيره ، والثاني يلزمه لتكون البينة على إنكار منكر ( ويجب ) فيما إذا لم يكن للغائب وكيل حاضر ، سواء أكانت الدعوى بدين أم عين أم بصحة عقد أم إبراء كأن أحال الغائب على مدين له حاضر فادعى إبراءه لاحتمال دعوى أنه مكره عليه ( أن يحلفه بعد البينة ) وتعديلها ( أن الحق ثابت له في ذمته ) إلى الآن احتياطا للمحكوم عليه لأنه لو كان حاضرا لربما ادعى أداء أو إبراء أو نحوهما ، ولا بد أن يقول مع ذلك وأنه يلزمه تسليمه إلي لأنه قد يكون عليه ولا يلزمه أداؤه لتأجيل أو نحوه وظاهر كما قاله البلقيني أن هذا لا يتأتى في الدعوى بعين بل يحلف فيها على ما يليق بها ، وكذا نحو الإبراء كما يأتي ، ويعتبر أن يتعرض مع الثبوت ولزوم التسليم إلى أنه لا يعلم أن في شهوده قادحا في الشهادة مطلقا أو بالنسبة للغائب كفسق وعداوة وتهمة بناء على الأصح [ ص: 270 ] أن المدعى عليه لو كان حاضرا وطلب تحليف المدعي على ذلك أجيب ، ولا يبطل الحق بتأخير هذه اليمين ، ولا ترتد بالرد لأنها ليست مكملة للحجة وإنما هي شرط للحكم ، ولو ثبت الحق وحلف ثم نقل إلى حاكم آخر ليحكم به فالأوجه عدم وجوب إعادتها . أما إذا كان له وكيل حاضر فإنه يتوقف التحليف على طلبه كما اقتضاه كلامهما واعتمده ابن الرفعة ، وما استشكل به في التوشيح من أنه حيث كان له وكيل حاضر لم يكن قضاء على غائب ولم يجب يمين جزما يمكن رده بأن العبرة بالخصومات في نحو اليمين بالموكل لا بالوكيل ، ويؤيد ذلك قول البلقيني للقاضي سماع الدعوى على غائب وإن حضر وكيله لوجود الغيبة المسوغة للحكم عليه ، والقضاء إنما يقع عليه ، وخرج بقوله إن الحق ثابت في ذمته ما لو لم يكن كذلك كدعوى قن عتقا أو امرأة طلاقا على غائب وشهدت البينة حسبة على إقراره به فلا يحتاج ليمين إذ لاحظ جهة الحسبة ، وبه أفتى في العتق ، وألحق به ابن الصلاح البغوي الطلاق ونحوه من حقوق الله تعالى المتعلقة بشخص معين ، بخلاف ما لو ادعى عليه نحو بيع وأقام بينة به وطلب الحكم بثبوته فإنه يجيبه إلى ذلك خلافا لما وقع في الجواهر ، وحينئذ فيجب تحليفه خوفا من مفسد قارن العقد أو طرو مزيل له ، ويكفي أنه الآن مستحق لما ادعاه ( وقيل يستحب ) التحليف لإمكان التدارك إن كان ثم دافع نعم لو غاب الموكل في محل تسمع عليه الدعوى وهو به لم يتوقف الحكم بما ادعى به وكيله على حلف بخلاف ما لو كان في محل لا يسوغ سماع الدعوى عليه وهو به فلا بد لصحة الحكم من حلفه ( ويجريان ) أي الوجهان كما قبلهما من الأحكام ( في دعوى على صبي أو مجنون ) لا ولي له أو له ولي ولم يطلب إذ اليمين لا تتوقف على طلبه ، وميت ليس له وارث خاص حاضر كالغائب بل أولى لعجزهم عن التدارك ، فإذا كملا أو قدم الغائب فهم على حجتهم . أما من له وارث خاص حاضر كامل فلا بد في تحليف خصمه بعد البينة من طلبه والفرق بينه وبين ما مر في الولي واضح ومن ثم لو كان على الولي دين مستغرق لم يتوقف على طلبه ما لم يحضر معه جميع الغرماء مع سكوتهم . [ ص: 271 ] نعم لو كان سكوته عن طلبها لجهله بالحال عرفه الحاكم ، فإن لم يطلبها قضى عليه بدونها