لأن الإصرار لا يصير الصغيرة كبيرة حقيقة وإنما يلحقها بها في الحكم فالعطف صحيح ولا حاجة إلى التأويل ، ولا يعارض ذلك قول جمع كابن عباس والأشعري [ ص: 295 ] والأستاذ أبي إسحاق ليس في الذنوب صغيرة لأنهم إنما كرهوا تسمية معصية الله صغيرة إجلالا له مع اتفاقهم على أن بعض الذنوب يقدح في العدالة وبعضها لا يقدح فيها ، وإنما الخلاف في التسمية والإطلاق . واعلم أنه يتجه أن يكون ترك تعلم ما يتوقف عليه صحة ما هو فرض عليه كبيرة لكن من المسائل الظاهرة دون الخفية ، نعم ما مر في شروط الصلاة في العامي الذي يعتقد أن جميع أفعالها فرض إلخ هل يكون ترك تعلمه ذلك كبيرة أو لا محل نظر ، والأوجه كما اقتضاه إفتاء الشيخ بأن من لم يعرف أركان أو شروط نحو الوضوء أو الصلاة لا تقبل شهادته أن ذلك كبيرة ( ويحرم على الصحيح ) لخبر اللعب بالنرد { مسلم } وفي رواية من لعب بالنرد فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه لأبي داود { } وهو صغيرة ، وفارق الشطرنج بأن معتمده الحساب الدقيق والفكر الصحيح ففيه تصحيح الفكر ونوع من التدبير ، ومعتمد النرد الحزر والتخمين المؤدي إلى غاية من السفاهة والحمق . فقد عصى الله ورسوله
قال الرافعي ما حاصله : ويقاس بهما ما في معناهما من أنواع اللهو ، فكل ما اعتمد الحساب والفكر كالمنقلة حفر أو خطوط ينقل منها وإليها حصى بالحساب لا يحرم ومحلها في المنقلة إن لم يكن حسابها تبعا لما يخرجه الطاب الآتي وإلا حرمت ، وكل ما معتمده التخمين يحرم ، ومن القسم الثاني كما أفاده السبكي والزركشي وغيرهما لطاب وهو عصى صغار ترمى وينظر للونها ويرتب عليه مقتضاه الذي اصطلحوا عليه ، ومن ذلك أيضا الكنجفة ، ويجوز اللعب بالحمام والخاتم حيث خليا عن عوض ، لكن متى كثر الأول ردت به الشهادة لما عرف من أهله من خلعهم جلباب الحياء والمروءة والتعصب ، ويقاس بهم ما كثر واشتهر من أنواع حدثت كالجري وحمل الأحمال الثقيلة والنطاح بنحو الكباش وغير ذلك من أنواع اللهو والسفه ، ومقابل الصحيح أنه مكروه فقط ( ويكره ) بكسر أوله وفتحه معجما ومهملا لأنه يلهي عن الذكر والصلاة في أوقاتها الفاضلة بل كثيرا ما يستغرق فيه لاعبه حتى يخرجها عن وقتها وهو حينئذ فاسق غير معذور بنسيانه كما ذكره الأصحاب . اللعب ( بشطرنج )
والحاصل أن الغفلة نشأت من تعاطيه الفعل الذي من شأنه أن يلهي عن ذلك فكان كالمتعمد لتفويته ، ويجري ذلك في كل لهو ولعب مكروه مشغل للنفس ومؤثر فيها تأثيرا يستولي عليها حتى تشتغل به عن مصالحها الأخروية ، ومحل ما تقرر من الكراهة إذا لعبه مع معتقد حله وإلا حرم كما رجحه جمع متأخرون لإعانته على معصية حتى في ظن الشافعي لأنا نعتقد أنه يلزمه العمل باعتقاد إمامه ، وإنما اعتبر في الحاكم اعتقاد نفسه لا الخصم لأنه ملزم ، ولو نظرنا لاعتقاد الخصم تعطل القضاء ، ولأنه يلزمه الإنكار عليه لما مر أن من فعل ما يعتقد [ ص: 296 ] حرمته يجب الإنكار عليه ولو ممن يعتقد إباحته ( فإن شرط فيه مال من الجانبين فقمار ) محرم وإن كان من أحدهما ليبذله إن غلب ويمسكه إن غلب فليس بقمار لكنه عقد مسابقة على غير آلة قتال فهو محرم من جهته ، إذ تعاطي العقود الفاسدة حرام وهذا كما قبله صغيرة ، لكن أخذ المال كبيرة ، وعبر بقمار محرم احترازا عن اعتراض الإمام على إطلاقهم التحريم بأن المحرم هو ما اقترن بالشطرنج لا هو فإنه لا يتغير بذلك ، وترد الشهادة به إن اقترن به أخذ مال أو فحش أو دوام عليه .
قال الماوردي : أو لعبه على الطريق ، أو كان فيه صورة حيوان كما قاله غيره ، ومن ثم صرح بعضهم بأنه يحرم اللعب بكل ما في آلته صورة محرمة ( ) بضم الحاء وبالمد ( وسماعه ) واستماعه لما فيه من إيقاظ النوام وتنشيط الإبل للسير ولأنه صلى الله عليه وسلم أقر فاعله وهو ما يقال خلف الإبل من رجز ونحوه ، وهذا أولى من تفسيره بأنه تحسين الصوت الشجي بالشعر الجائز ( ويكره ويباح الحداء ) بكسر أوله وبالمد ( بلا آلة وسماعه ) يعني استماعه لا مجرد سماعه من غير قصد لما صح عن الغناء ، ومثله لا يقال من قبل الرأي فيكون في حكم المرفوع : إنه ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل ، وما ذكراه في موضع من حرمته محمول على ما لو كان من أمرد أو أجنبية وخاف عن ذلك الفتنة . ابن مسعود
قال الأذرعي : أما ما اعتيد عند محاولة عمل وحمل ثقيل كحداء الأعراب لإبلهم وغناء النساء لتسكين صغارهم فلا شك في جوازه ، بل ربما يندب إذا نشط على سير أو رغب في خير كالحداء في الحج والغزو ، وعلى هذا يحمل ما جاء عن بعض الصحابة ، ومتى اقترن بالغناء آلة محرمة فالقياس كما قاله الزركشي تحريم الآلة فقط وبقاء الغناء على الكراهة ، ويؤيده ما مر عن الإمام في الشطرنج مع القمار ، وليس تحسين الصوت بقراءة قرآن من هذا القبيل ، فإن لحن فيه حتى أخرجه إلى حد لا يقول به أحد من القراء حرم وإلا فلا ، وإطلاق الجمهور كراهة القسم الأول مرادهم بها كراهة التحريم ، بل قال الماوردي : يفسق القارئ بذلك ويأثم المستمع لأنه عدل به عن نهجه القويم ( ويحرم ) بضم أوله ( وعود ) ورباب وسنطير وجنك وكمنجة ( وصنج ) بفتح أوله ، وهو صفر يجعل عليه أوتار يضرب بها أو قطعتان من صفر تضرب إحداهما بالأخرى وكلاهما حرام ( ومزمار عراقي ) وسائر أنواع الأوتار والمزامير ( واستماعها ) لأن اللذة الحاصلة منها تدعو إلى فساد كشرب الخمر لا سيما من قرب عهده [ ص: 297 ] بها ، ولأنها شعار الفسقة والتشبه بهما حرام ، وخرج باستماعها سماعها من غير قصد فلا يحرم ، وحكاية وجه بحل العود مردودة ، وما سمعناه من بعض صوفية الوقت تبع فيه كلام استعمال آلة من شعار الشربة كطنبور وأباطيل ابن حزم ابن طاهر وكذبه الشنيع في تحليل الأوتار وغيرها ولم ينظر لكونه مذموم السيرة مع أنه مردود القول عند الأئمة ، وقد بالغ بعضهم في تسفيهه وتضليله سيما الأذرعي في توسطه ، وكل ذلك مما يجب الكف عنه واتباع ما عليه أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم لا ما افتراه أولئك .
نعم لو أخبر طبيبان عدلان بأن المريض لا ينفعه لمرضه إلا العود عمل بخبرهما وحل له استماعه كالتداوي بنجس فيه الخمر ، وعلى هذا يحمل قول الحليمي يباح : أي لمن به ذلك المرض وتعين الشفاء في سماعه ، وحكاية استماع آلة اللهو إذا نفعت من مرض ابن طاهر عن أنه كان يسمع العود من جملة كذبه وتهوره فلا يحل الاعتماد عليه ( لا يراع ) وهي الشبابة سميت بذلك لخلو جوفها ، ومن ثم قالوا لرجل لا قلب له رجل يراع فلا يحرم ( في الأصح ) لخبر فيه ( الشيخ أبي إسحاق الشيرازي قلت : الأصح تحريمه ، والله أعلم ) لأنه مطرب بانفراده ، بل قيل إنه آلة كاملة لجميع النغمات إلا يسيرا فحرم كسائر المزامير ، والخبر المروي في شبابة الراعي منكر ، وبتقدير صحته فهو دليل التحريم لأن سد أذنيه عن سماعها ناقلا له عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم استخبر من ابن عمر هل يسمعها فيستديم سد أذنيه ، فلما لم يسمعها أخبره فترك سدهما ، فهو لم يأمره بالإصغاء إليها بدليل قوله له أتسمع ولم يقل له استمع ، ولقد أطنب خطيب نافع الشام الدولعي في تحريمها وتقرير أدلته ونسب من قال بحلها إلى الغلط وأنه ليس معدودا من المذهب ، ونقل أنها إذا اجتمعت مع الدف حرما بالإجماع ممن يعتد به وفيه ما مر عن ابن الصلاح الإمام في ، وعن الشطرنج مع القمار الزركشي في ، وما حكي عن الغناء مع الآلة ابن عبد السلام وابن دقيق العيد من أنهما كانا يسمعان ذلك فكذب .
( ويجوز دف ) أي ضربه واستماعه ( لعرس ) { لأنه صلى الله عليه وسلم أقر جويريات ضربن به حين بنى علي على كرم الله وجههما فاطمة } ، بل قال لمن قالت :
وفينا نبي يعلم ما في غد
دعي هذا وقولي بالتي كنت تقولين : أي من مدح بعض المقتولين ببدر ، وصح خبر { } وروى فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف الترمذي وغيره خبر { } وقد أخذ أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدف البغوي وغيره من ذلك ندبه في العرس ونحوه ( وختان ) لأن عمر رحمه الله كان يقره فيه كالنكاح وينكره في غيرهما ( وكذا غيرهما ) من كل سرور ( في الأصح ) لخبر { المدينة من بعض مغازيه قالت له جارية سوداء : إني نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف ، فقال لها : إن كنت نذرت أوفي بنذرك } . أنه صلى الله عليه وسلم لما رجع إلىوالثاني المنع ، ومحل الخلاف كما بحثه البلقيني إذا لم يضربه لنحو قدوم عالم أو سلطان ويباح أو يسن عند من قال بندبه ( وإن كان فيه جلاجل ) [ ص: 298 ] لإطلاق الخبر ، ودعوى أنه لم يكن بجلاجل يحتاج إلى إثباته وهو إما نحو حلق تجعل داخله كدف العرب أو صنوج عراض من صفر تجعل من خروق دائرته كدف العجم ، وقد جزم بحل هذه في الحاوي الصغير وغيره ، ومنازعة الأذرعي فيه بأنه أشد إطرابا من الملاهي المتفق على تحريمها ونقله عن جمع حرمته مردودة ، وسواء ضرب به رجل أم أنثى ، وتخصيص الحليمي حله بالنساء مردود كما أفاده السبكي ( ويحرم ) بضم أوله واستماعه أيضا ( وهي طبل ) طويل ( ضيق الوسط ) واسع الطرفين ومنه أيضا الموجود في زمننا ما أحد طرفيه أوسع من الآخر الذي لا جلد عليه لخبر { ضرب الكوبة } أي القمار " والكوبة " ولأن في ضربها تشبيها بالمخنثين إذ لا يعتادها غيرهم ، وتفسيرها بذلك هو الصحيح وإن فسرها بعضهم بالنرد ، ومقتضى كلامه حل ما سواها من الطبول وهو كذلك ، وإن أطلق إن الله حرم الخمر والميسر العراقيون تحريم الطبول .
واعتمده الإسنوي وادعى أن الموجود لأئمة المذهب تحريم ما سوى الدف من الطبول ( لا الرقص ) فلا يحرم ولا يكره لأنه مجرد حركات على استقامة واعوجاج ولإقراره صلى الله عليه وسلم الحبشة عليه في مسجده يوم عيد ، واستثناء بعضهم أرباب الأحوال فلا يكره لهم وإن كره لغيرهم مردود كما أفاده البلقيني بأنه إن كان عن رويتهم فهم كغيرهم وإلا لم يكونوا مكلفين ، ويجب طرد ذلك في سائر ما يحكى عن الصوفية مما يخالف ظاهر الشرع فلا يحتج به . نعم لو كثر الرقص بحيث أسقط المروءة حرم على ما قاله البلقيني ، والأوجه خلافه ( إلا أن يكون فيه تكسر كفعل المخنث ) بكسر النون وهذا أشهر وفتحها وهو أفصح ، فيحرم على الرجال والنساء ، وهو من يتخلق بخلق النساء حركة وهيئة ، وعليه حمل الأحاديث بلعنه ، أما من يفعل ذلك خلقة من غير تكلف فلا يأثم به .
( ويباح ) { ( قول ) أي إنشاء ( شعر وإنشاده ) واستماعه كحسان وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم واستنشد من شعر وكعب بن مالك أمية بن أبي الصلت مائة بيت } : أي لأن أكثر شعره حكم وأمثال وتذكير بالبعث ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم { لأنه صلى الله عليه وسلم كان له شعراء يصغي إليهم } وروى كاد أن يسلم { البخاري } واستحب إن من الشعر لحكمة الماوردي منه ما حذر عن معصية أو حث على طاعة ( إلا أن يهجو ) في شعره معينا فيحرم وإن صدق أو عرض به كما في الشرح الصغير ، وترد به شهادته للإيذاء مسلما أو ذميا ونحوه ، بخلاف الحربي ، ويتجه إلحاق المرتد به لا نحو زان محصن وغير متجاهر بفسق وغير مبتدع ببدعته وإثم حاكيه دون إثم منشئه ( أو يفحش ) بضم أوله وكسر ثالثه : [ ص: 299 ] أي يجاوز الحد لأن في الإطراء في المدح ولم يمكن حمله على المبالغة فيحرم أيضا لكونه حينئذ كذبا ، وترد به الشهادة حيث أكثر منه ( أو يعرض بامرأة معينة ) بأن يذكر صفاتها من نحو حسن وطول وغير ذلك فيحرم أيضا ، وترد به شهادته لما فيه من الإيذاء أو هتك الستر إذا وصف الأعضاء الباطنة .
نعم لو كان ذلك من حليلته بما من حقه الإخفاء كره وردت به شهادته أيضا ، ومثل المرأة في ذلك الأمرد ، وخرج بالمعينة غيرها فلا إثم فيه لأن غرض الشاعر تحسين صنعته لا تحقيق المذكور فيه . نعم يقع لبعض فسقة الشعراء نصب قرائن تدل على التعيين وهو في حكم المعين ( تخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه ) لاختلاف العرف في هذه الأمور غالبا بخلاف العدالة فإنها ملكة راسخة في النفس لا تتغير بعروض مناف لها ، والمراد بذلك تخلقه بخلق أمثاله المباحة غير المزرية فلا نظر لحلق والمروءة القلندرية اللحاء ونحوها غير العورة أو كشف ذلك فيه وإن لم يمش وكان ممن لا يليق به ذلك يسقطها لخبر { ( فالأكل في سوق والمشي ) فيه ( مكشوف الرأس ) أو البدن } وقيس به الشرب إلا إن صدق جوعه أو عطشه . نعم لو أكل داخل حانوت مستترا بحيث لا ينظره غيره وهو ممن يليق به ، أو كان صائما وقصد المبادرة لسنة الفطر اتجه عذره حينئذ . الأكل في السوق دناءة
يسقطها بخلاف ما لو كان بحضرة جواريه أو زوجاته ، والأوجه أن تقبيلها ليلة جلائها بحضرة الناس أو الأجنبيات يسقطها لدلالته على الدناءة وإن توقف فيه ( وقبلة زوجة أو أمة ) في نحو فمها لا رأسها ووضع يده على نحو صدرها ( بحضرة الناس ) أو أجنبي البلقيني ( وإكثار حكايات مضحكة ) للحاضرين أو فعل خيالات كذلك بحيث يصير ذلك عادة له يسقطها لخبر { } وتقييده الإكثار بهذا يفهم عدم اعتباره فيما قبله وما بعده ، والأوجه كما قاله من تكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه يهوي بها في النار سبعين خريفا الأذرعي اعتبار ذلك في الكل إلا في نحو قبلة حليلته بحضرة الناس في طريق مثلا فلا يعتبر تكرره ، واعترض بتقبيل الأمة التي خرجت له من السبي . وأجيب عنه بأنه مجتهد فلا يعترض بفعله على غيره وليس الكلام في الحرمة حتى يستدل بسكوت الباقين عليها بل في سقوط المروءة وسكوتهم لا دخل له فيه ، على أنه يحتمل أنه إنما فعله ليبين حل التمتع بالمسبية قبل الاستبراء فهي واقعة حال فعلية محتملة فلا دليل فيها أصلا [ ص: 300 ] ( ابن عمر ) وهي ما يلبس على الرأس وحده وتاجر ثوب نحو حمار وتراب وهذا ثوب نحو عالم ونحو ذلك من كل ما يفعل ( حيث ) أي بمحل ( لا يعتاد ) مثله فيه ولبس فقيه قباء وقلنسوة ( أو ) على ( غناء أو ) على ( سماعه ) أي استماعه أو ( وإكباب على لعب الشطرنج ) أو فعله بنحو طريق وإن قل ولو من غير إكباب اتخاذ أمة وامرأة لتغني للناس . أما غيره فيسقطها منه مرة كما يعلم من قوله والأمر إلى آخره ومد الرجل بحضرة من يحتشمه من غير عذر ( يسقطها ) لمنافاة ذلك كله لها ، وما بحثه ( وإدامة رقص ) ممن يليق به الرافعي من أن اتخاذ الآدميين الغناء المباح حرفة لا يسقطها إذا لاق به رده الزركشي بنص رحمه الله على رد شهادته بها وجرى عليه الأصحاب لأنه حرفة دنيئة ويعد العرف فاعلها ممن لا حياء له . الشافعي
وعلم مما تقرر أن الواو في كلام المصنف بمعنى أو . واعلم أنه قد اختلف في تعاطي خارم المروءة على أوجه : أوجهها حرمته إن ترتب عليها رد شهادة تعلقت به ، وقصد ذلك لأنه يحرم عليه التسبب في إسقاط ما تحمله وصار أمانة عنده لغيره وإلا فلا ( والأمر فيه ) أي جميع ما ذكر ( يختلف با ) اختلاف ( الأشخاص والأحوال والأماكن ) فمدار جميع ذلك على العرف كما مر ، إذ قد يستقبح من شخص وفي حال أو مكان ما لا يستقبح من غيره أو فيه ( ) بالهمز ( كحجامة وكنس ودبغ ) وحراسة وحياكة وجزارة وكناسة حمام ( ممن لا يليق ) عادة ( به يسقطها ) لأنه يشعر بقلة المبالاة ( فإن اعتادها ) أي لاقت به ( وكانت ) مباحة سواء أكانت ( حرفة أبيه ) أم لم تكن كما رجحه في الروضة فذكره هنا لأن الغالب كون الولد يتبع حرفة أبيه ( فلا ) يسقطها ( في الأصح ) لانتفاء تعيره بذلك . وحرفة دنيئة
والثاني نعم لما مر . أما ذو حرفة محرمة كمصور ومنجم فلا تقبل شهادتهم مطلقا قال الزركشي : ومما عمت به البلوى التكسب بالشهادة مع أن شركة الأبدان باطلة فتقدح في العدالة لا سيما إذا منعنا أخذ الأجرة على التحمل أو كان يأخذ ولا يكتب إذ نفوس شركائه لا تطيب بذلك . قال بعض المتأخرين : وأسلم طريق فيه أن يشتري الورق شركة ويكتب ويقسم لكل على قدر ما يخصه من ثمن الورق فإن الشركة لا يشترط فيها التساوي في العمل انتهى . وفيه نظر لا يخفى ( أن يجر ) بشهادته ( إليه ) أو إلى من لا تقبل شهادته له ( نفعا أو يدفع ) بها ( عنه ) أو عمن ذكر ( ضرا ) وحدوثها قبل الحكم مضر لا بعده ، فلو شهد لأخيه بمال فمات وورثه قبل استيفائه فإن كان بعد الحكم أخذه وإلا فلا ، وكذا لو شهد بقتل فلان لأخيه الذي له ابن ثم مات وورثه فإن صار وارثه بعد الحكم لم ينقض أو قبله امتنع الحكم ( فترد شهادته لعبده ) أي المأذون له في التجارة وغيره ، وتقييد الأصل له بالأول مثال إذ ما يشهد به يكون له . ( والتهمة ) بضم ففتح في الشاهد
وقضيته قبوله له بأن فلانا قذفه وهو [ ص: 301 ] كذلك كما بحثه البلقيني ( ومكاتبه ) لأنه ملكه فله علقة بماله بدليل منعه له من بعض التصرفات ولأنه بصدد العود إليه بعجز أو تعجيز وشريكه في المشترك حيث قال لنا أو بيننا ، بخلاف ما لو قال لي ولزيد فتصح بالنسبة لزيد لا له ، نعم يعتبر أن لا يعود له شيء مما ثبت لزيد كوارثين لم يقبضا فإن ما ثبت لأحدهما يشاركه فيه صاحبه ( وغريم له ميت ) وإن لم تستغرق تركته الديون أو مرتد كما بحثه العراقي ( أو عليه حجر فلس ) لأنه إذا أثبت للغريم شيئا أثبت لنفسه المطالبة به . أما إذا لم يحجر عليه فتقبل شهادته له وإن كان معسرا لتعلق الحق بذمته ( وبما ) مراده فيما الذي بأصله ( هو وكيل ) أو صبي أو قيم ( فيه ) لأنه يثبت لنفسه سلطنة التصرف في المشهود به ، ولا فرق بين أن يشهد به لموكله أو بشيء متعلق به كعقد صدر منه ، ولا تقبل من مودع لمودعه ومرتهن لراهنه لتهمة بقاء يدهما فإن عزل الوكيل نفسه ولم يخض في الخصومة قبلت أو بعدها فلا وإن طال الفصل . أما ما ليس وكيلا أو وصيا أو قيما فيه فتقبل .
نعم لو وجدا متصاحبين بعد ذلك قبلت عليه كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، ولو باع الوكيل شيئا فأنكر المشتري الثمن أو اشترى شيئا فادعى أجنبي المبيع ولم تعرف وكالته فله أن يشهد لموكله بأن له عليه كذا أو بأن هذا ملكه حيث لم يتعرض لكونه وكيلا ، ويحل له ذلك باطنا لأن فيه توصلا للحق بطريق مباح ، وتوقف الأذرعي فيه بأنه يحمل الحاكم على حكم لو عرف حقيقته لم يفعله مردود بأنه لا أثر لذلك ، لأن الغرض وصول الحق لمستحقه ، بل صرح جمع بأنه يجب على وكيل طلاق أنكره موكله أن يشهد حسبة بأن زوجة هذا مطلقة ، ويؤيد الجواز ما مر في الحوالة نظيره فيمن له دين عجز عن إثباته فاقترض من آخر قدره وأحاله به وشهد له فيحلف معه إن صدقه في أن له عليه ذلك الدين ، ونظير ذلك شهادة حاكم معزول بحكمه بصيغة أشهد على حاكم جائز الحكم أنه حكم به كما مر ( وببراءة من ضمنه ) الشاهد أو أصله أو فرعه أو رقيقه لأنه يدفع بها الغرم عن نفسه أو عمن لا تقبل شهادته له ، واحتمال العبارة شهادة الأصيل ببراءة من ضمنه مع أنها مقبولة لانتفاء تهمته فيها غير مراد كما يدل عليه السياق ، نعم قول أصله والضامن للأصيل بالإبراء أو الأداء أصرح ( وبجراحة مورثه ) غير بعضه عندها ( قبل اندمالها ) وإن اندمل بعدها للتهمة فإنه لو مات أخذ الأرش فكأنه شهد لنفسه وشمل ما لو كان عليه دين يستغرق أرشها وهو كذلك بناء على أن الدين لا يمنع الإرث ودخل في كونه موروثا عند شهادته ، وجزم به ما لو شهد بذلك أخ الجريح وهو وارث له ثم ولد للجريح ابن فلا تقبل شهادته ، وخرج به ما لو شهد بذلك وللجريح ابن ثم مات الابن فتقبل شهادته ، ثم إن صار وارثا وقد حكم بشهادته لم ينقض كما لو طرأ الفسق أولا فلا يحكم بها .
[ ص: 302 ] وخرج بقبل الاندمال شهادته بعد الاندمال فمقبولة لانتفاء التهمة . قال البلقيني : ولو كان الجريح عبدا ثم أعتقه سيده بعد الجرح وادعى به على الجارح وأنه المستحق لإرثه لأنه كان ملكه فشهد له وارث الجريح قبلت شهادته لعدم المعنى المقتضي للرد