الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ولا تصح الصلاة في المقبرة والحمام والحش وأعطان الإبل ) هذا المذهب . وعليه الأصحاب . قال في الفروع : هو أشهر وأصح في المذهب ، قال المصنف وغيره : هذا ظاهر المذهب ، وهو من المفردات . وعنه إن علم النهي لم تصح ، وإلا صحت . وعنه تحرم الصلاة فيها . وتصح . قال المجد : لم أجد عن أحمد لفظا بالتحريم مع الصحة . وعنه تكره الصلاة فيها . وقيل : إن خاف فوت الوقت ، صحت . وقيل : إن أمكنه الخروج لم يصل فيه بحال ، وإن فات الوقت . ذكرهما في الرعاية .

قال في القاعدة التاسعة : لا تصح الصلاة في مواضع النهي على القول بأن النهي للتحريم . وتصح على القول بأن النهي للتنزيه .

هذه طريقة المحققين ، وإن كان من الأصحاب من يحكي الخلاف في الصحة ، مع القول بالتحريم . انتهى .

[ ص: 490 ] تنبيه :

عموم قوله " ولا تصح الصلاة في المقبرة " يدل أن صلاة الجنازة لا تصح فيها ، وهو ظاهر كلامه في المستوعب ، والوجيز ، والمنور ، وغيرهم ، وهو إحدى الروايات عن أحمد ، وصححها الناظم . وقدمه في الرعاية ، والحاوي الصغير . قال في الفصول في آخر الجنائز : أصح الروايتين لا تجوز . وعنه تصح مع الكراهة ، اختارها ابن عقيل ، وأطلقهما في المذهب ، والمغني ، وابن تميم ، والفائق . وعنه تصح من غير كراهة ، وهو المذهب ، قال ابن عبدوس في تذكرته : تباح في مسجد ومقبرة . قال في المحرر : لا يكره في المقبرة . قال في الكافي : ويجوز في المقبرة . قال في الهداية ، والتلخيص ، والبلغة ، والحاوي الكبير ، وغيرهم : لا بأس بصلاة الجنازة في المقبرة . قال في الخلاصة ، والإفادات ، وإدراك الغاية : لا تصح صلاة في مقبرة لغير جنازة ، وقدمه المجد في شرحه . وأطلقهن في الفروع .

فوائد

الأولى : لا يضر قبر ولا قبران على الصحيح من المذهب ، إذا لم يصل إليه ، جزم به ابن تميم . وقاله المصنف وغيره ، وقدمه في الفروع ، والشرح ، والرعاية ، والفائق . وقيل : يضر ، اختاره الشيخ تقي الدين ، والفائق . قال في الفروع : وهو أظهر ، بناء على أنه : هل يسمى مقبرة أم لا ؟ وقال في الفروع : ويتوجه أن الأظهر : أن الخشخاشة فيها جماعة قبر واحد ، وأنه ظاهر كلامه .

الثانية : لو دفن بداره موتى لم تصر مقبرة . قاله ابن الجوزي في المذهب ، وغيره الثالثة : قوله عن أعطان الإبل " التي تقيم فيها وتأوي إليها " هو الصحيح من المذهب ، نص عليه وعليه جماهير الأصحاب . وقيل : هو مكان اجتماعها إذا صدرت [ ص: 491 ] عن المنهل . زاد صاحب الرعاية وغيره : وما تقف فيه لترد الماء .

زاد المصنف في المغني بعد كلام الإمام أحمد فقال وقيل : هو ما تقف فيه لترد الماء . قال : والأول أجود . وقال جماعة من الأصحاب : أو تقف لعلفها .

الرابعة : الحش : ما أعد لقضاء الحاجة . فيمنع من الصلاة داخل بابه . ويستوي في ذلك موضع الكنيف وغيره .

الخامسة : المنع من الصلاة في هذه الأمكنة : تعبد ، على الصحيح من المذهب . وعليه الجمهور . قال الزركشي : تعبد عند الأكثرين . واختاره القاضي وغيره . وقدمه في الشرح ، والرعاية الكبرى . قال ابن رزين في شرحه : الأظهر أنه تعبد . وقيل : معلل . وإليه ميل المصنف . فهو معلل بمظنة النجاسة . فيختص بما هو مظنة من هذه الأماكن . وأطلقهما في الفروع ، وابن تميم . فعلى الأولى : حكم مسلح الحمام وأتونه كداخله . وكذا ما يتبعه في البيع ، نص عليه . وكذا غيره . قال بعضهم : وهو المذهب ، قال في الرعاية الكبرى : ولا تصح الصلاة في حمام وأتونه وبيوته ومجمع وقوده ، وكل ما يتبعه في البيع من الأماكن وتحويه حدوده . ويتناول أيضا كل ما يقع عليه الاسم . فلا فرق في المقبرة بين القديمة والحديثة ، والمنبوشة وغير المنبوشة . وعلى الثاني : تصح في أسطحة هذه المواضع . قوله ( والموضع المغصوب ) يعني لا تصح الصلاة فيه ، وهو المذهب . وعليه جمهور الأصحاب ، وقطع به كثير منهم في المختصرات ، وهو من المفردات .

وعنه تصح مع التحريم ، اختارها الخلال ، وابن عقيل في فنونه ، والطوفي في مختصره في الأصول وغيرهم . وقيل : تصح إن جهل النهي . وقيل : تصح مع الكراهة .

حكاه ابن مفلح في أصوله وفروعه وغيره . وقال : إن خاف فوت الوقت صحت صلاته ، وإلا فلا . وقيل : إن أمكنه الخروج منه : لم تصح فيه بحال ، وإن فات الوقت . وقيل يصح النفل . وذكر أبو الخطاب في بحث المسألة : أن النافلة لا تصح بالاتفاق . [ ص: 492 ] فهذه ثلاث طرق في النفل تقدم نظيرها في الثوب المغصوب . وحيث قلنا " لا تصح في الموضع المغصوب " فهو من المفردات .

فائدة :

لا بأس بالصلاة في أرض غيره أو مصلاه بلا غصب ، بغير إذنه على الصحيح من المذهب . وقيل : لا تصح . وأطلقهما في الرعايتين ، والحاوي . وقال ابن حامد : ويحتمل أن لا يصلي في كل أرض إلا بإذن صاحبها . ويحتمل أن يكون مراده عدم الصحة . ويحتمل أن يكون مراده الكراهة . فلهذا قال في الفروع : ولو صلى على أرض غيره أو مصلاه بلا غصب صح في الأصح . وقيل : حملها على الكراهة أولى ، قال في الرعايتين قلت : وحمل الوجهين على إرادة الكراهة وعدمها أولى ، قال في الفروع ، وظاهر المسألة : أن الصلاة هنا أولى من الطريق . وأن الأرض المزدرعة : كغيرها . قال : والمراد ولا ضرر ، ولو كانت لكافر . قال : ويتوجه احتمال لعدم رضاه بصلاة مسلم بأرضه . قوله ( وقال بعض أصحابنا : حكم المجزرة والمزبلة وقارعة الطريق وأسطحتها : كذلك ) يعني كالمقبرة ونحوها .

وهو المذهب ، قال الشارح : أكثر أصحابنا على هذا . قال في الفروع : اختاره الأكثر . قال الزركشي : وألحق عامة الأصحاب بهذه المواضع : المجزرة . ومحجة الطريق . وجزم به في الوجيز ، والإفادات ، والمنور ، والمنتخب . وقدمه في الفروع ، والنظم ، والفائق ، وهو من المفردات . وعنه تصح الصلاة في هذه الأمكنة ، وإن لم يصححها في غيرها ، ويحتمله كلام الخرقي ، واختاره المصنف . وعنه تصح على أسطحتها ، وإن لم يصححها في داخلها ، واختاره المصنف ، والشارح . وقال أبو الوفا : سطح النهر لا تصح الصلاة عليه ، لأن الماء لا يصلى عليه ، وهو رواية حكاها المجد في شرحه . وقال غيره : هو كالطريق . قال المجد : والمشهور عنه المنع فيها . وعنه لا تصح الصلاة على أسطحتها . وكرهها في رواية عبد الله وجعفر على نهر وساباط . وقال القاضي [ ص: 493 ] فيما تجري فيه سفينة كالطريق . وعلله بأن الهواء تابع للقرار ، واختار أبو المعالي وغيره : الصحة كالسفينة . قال أبو المعالي . ولو جمد الماء فكالطريق . وذكر بعضهم فيه الصحة . قلت : وجزم به ابن تميم ، فقال : لو جمد ماء النهر فصلى عليه : صح .

تنبيه :

مفهوم كلام المصنف : أن الصلاة تصح في المدبغة ، وهو صحيح ، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب ، وقدمه في الفروع ، وابن تميم ، والفائق . وقيل : هي كالمجزر ، واختاره في الروضة . وجزم به في الإفادات . وقدمه في الرعايتين .

فوائد

إحداهما : " المجزرة " : ما أعد للذبح والنحر . و " المزبلة " ما أعد للنجاسة والكناسة والزبالة ، وإن كانت طاهرة . و " قارعة الطريق " ما كثر سلوك السابلة فيها سواء كان فيها سالك أو لا ، دون ما علا عن جادة المارة يمنة ويسرة ، نص عليه . وقيل : يصح فيه طولا ، إن لم يضق على الناس ، لا عرضا . ولا بأس بالصلاة في طريق الأبيات القليلة .

الثانية : إن بني المسجد بمقبرة : فالصلاة فيه كالصلاة في المقبرة ، وإن حدثت القبور بعده حوله ، أو في قبلته ، فالصلاة فيه كالصلاة إلى المقبرة ، على ما يأتي قريبا ، هذا هو الصحيح من المذهب ، قال في الفروع : ويتوجه تصح . يعني مطلقا ، وهو ظاهر كلام جماعة .

قلت : وهو الصواب . وقال الآمدي : لا فرق بين المسجد القديم والحديث . وقال في الهدي : لو وضع القبر والمسجد معا لم يجز ، ولم يصح الوقف ولا الصلاة . وقال ابن عقيل في الفصول : إن بني فيها مسجد ، بعد أن انقلبت أرضها بالدفن : لم تجز الصلاة فيه ; لأنه بني في أرض الظاهر نجاستها . كالبقعة النجسة

التالي السابق


الخدمات العلمية