( قوله مكة ) وله خمسة أسام ما في الكتاب لأنه يصدر عنه أي [ ص: 377 ] يرجع والصدر الرجوع وطواف الوداع ; لأنه يودع البيت به وطواف الإفاضة ; لأنه لأجله يفيض إلى البيت من فطف للصدر سبعة أشواط وهو واجب إلا على أهل منى وطواف آخر عهد بالبيت ; لأنه لا طواف بعده وطواف الواجب واختلف في المراد بالصدر الذي هو الرجوع فعندنا هو الرجوع عن أفعال الحج ، وعند هو الرجوع إلى أهله ويبتنى عليه أنه لو الشافعي بمكة لشغل لم تلزمه الإعادة عندنا خلافا له ، والصحيح قولنا لأن الإضافة للاختصاص وهو إما باعتبار أن الصدر سبب أو شرط وكل منهما سابق على الحكم وهو بما قلنا وعلى قوله يكون متأخرا عن الحكم والفراغ عن الأفعال يسمى صدورا ورجوعا عنها إلى الحالة التي كانت من قبل ، ولم يبين وقته وله وقتان وقت الجواز ووقت الاستحباب ، فالأول أوله بعد طواف الزيارة إذا كان على عزم السفر حتى لو طاف كذلك ثم أطال الإقامة طاف للصدر ثم أقام بمكة ولو سنة ولم ينو الإقامة بها ، ولم يتخذها دارا جاز طوافه
وأما آخره فليس بموقت ما دام مقيما حتى لو أقام عاما لا ينوي الإقامة فله أن يطوف ويقع أداء ، والثاني أن يوقعه عند إرادة السفر حتى روي عن أنه لو طافه ثم أقام إلى العشاء فأحب إلي أن يطوف طوافا آخر ليكون توديع البيت آخر مورده كذا في المحيط ، ولم يشترط أبي حنيفة المصنف له نية معينة فأفاد أنه لو أجزأه عن الصدر كما لو طاف بعدما أحل النفر ونوى التطوع وقع عن الفرض ، وأفاد ببيان صفته أنه لو نفر ولم يطف يجب عليه أن يرجع فيطوفه ، لكن قالوا ما لم يجاوز المواقيت فإن جاوزها لم يجب الرجوع عينا بل إما أن يمضي وعليه دم ، وإما أن يرجع فيرجع بإحرام جديد ; لأن الميقات لا يجاوز بلا إحرام فيحرم بعمرة فإذا رجع ابتدأ بطواف العمرة ثم يطوف للصدر ولا شيء عليه لتأخيره ، وقالوا الأولى أن لا يرجع ويريق دما ; لأنه أنفع للفقراء وأيسر عليه لما فيه من دفع ضرر التزام الإحرام ومشقة الطريق طاف بنية التطوع في أيام النحر
والدليل على وجوبه من السنة أحاديث أصرحها ما في صحيح كانوا ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { مسلم } ، وأراد بأهل لا ينصرفن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت مكة من اتخذ مكة أو داخل المواقيت دارا فلا طواف صدر على من كان داخل المواقيت وكذا الآفاقي الذي اتخذ مكة دارا ثم بدا له الخروج وقيده في البدائع بأن ينوي الإقامة بها قبل أن يحل النفر الأول ، وأما إن نواه بعده لا يسقط عنه في قول خلافا أبي حنيفة . ا هـ . لأبي يوسف
والظاهر الإطلاق وحكى الخلاف في المجمع بين أبي يوسف ومحمد الرجوع إلى ، والمراد بالنفر الأول مكة في اليوم الثالث من أيام النحر وكذا وقيد بالمحرم بالحج باعتبار أن الكلام فيه ; لأن المعتمر ليس عليه طواف الصدر وقيد بكونه أدرك الحج فإن فائت الحج ليس عليه طواف الصدر ; لأن العود مستحق عليه ولأنه كالمعتمر لا طواف صدر على مكي إذا أراد الخروج منها
وأشار إلى أنه لا سعي عليه ولا رمي في هذا الطواف لعدم ذكرهما ، ولم يستثن الحائض والنفساء مع أهل مكة في سقوطه عنهم لما سيصرح به في باب التمتع ولما علم أن واجبات الحج تسقط بالعذر ، وقد صرح قاضي خان في فتاواه بسقوط طواف الصدر بالعذر والحيض ، والنفاس عذر ولهذا قال في المحيط لو طهرت الحائض قبل أن تخرج من مكة يلزمها طواف الصدر ، وإن جاوزت بيوت مكة مسيرة سفر وطهرت فليس عليها العود ، وكذا لو انقطع دمها فلم تغتسل ولم يذهب وقت الصلاة حتى لو خرجت من مكة لم يلزمها العود ; لأنه لم يثبت لها أحكام الطاهرات وقت الطواف ، وإن خرجت وهي حائض ثم اغتسلت ثم رجعت إلى مكة قبل أن تجاوز المواقيت فعليها الطواف وإن [ ص: 378 ] جاوزت فلا تعود إلا بإحرام جديد
وأشار بطواف الصدر إلى الرجوع إلى أهله وعدم المجاورة بمكة ولهذا قال في المجمع بعده ثم يعود إلى أهله ، والمجاورة بها مكروهة يعني عند وعندهما لا تكره لقوله تعالى { أبي حنيفة أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود } والمجاورة هي العكوف وله أن المجاورة في العادة تفضي إلى الإخلال بإجلال بيت الله لكثرة المشاهدة ، والعكوف في الآية بمعنى اللبث دون المجاورة ، وقد قرر في فتح القدير فيها كلاما حسنا فراجعه .