( قوله : وإن ذبح شاة أو تصدق بثلاثة أصوع على ستة أو صام ثلاثة أيام ) لقوله تعالى { تطيب أو لبس أو حلق بعذر فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } ، وكلمة أو للتخيير ، وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا والآية نزلت في المعذور ، وهو الذي أذاه هوام رأسه فأبيح له [ ص: 14 ] الحلق كما في صحيح كعب بن عجرة ، وهي وإن نزلت في حلق الرأس لكن قيس الطيب واللبس والقص عليه لوجود الجامع ، وهو المرض أو الأذى كذا في غاية البيان وظاهر النهاية أنه إلحاق له بطريق الدلالة ; لأنه في معنى المنصوص عليه ، وهو الأولى لما عرف في الأصول أن ما ثبت بخلاف القياس فغيره عليه لا يقاس فهو كإلحاق الأكل والشرب بالجماع في كفارة الفطر في رمضان ، وفسر العذر المبيح كما ذكره البخاري قاضي خان في فتاويه بخوف الهلاك من البرد والمرض أو لبس السلاح للقتال ، وهكذا في الظهيرية ، وفتح القدير . ولعل المراد بالخوف الظن لا مجرد الوهم فإذا غلب على ظنه هلاكه أو مرضه من البرد جاز له تغطية رأسه مثلا أو ستر بدنه بالمخيط لكن بشرط أن لا يتعدى موضع الضرورة حرام موجب للدم أو الصدقة كما قدمناه . فيغطي رأسه بالقلنسوة فقط إن اندفعت الضرورة بها وحينئذ فلف العمامة عليها
وكذا إذا اندفعت الضرورة بلبس جبة فلبس جبتين فإنه يكون آثما إلا أنه لا دم عليه حيث كان اللبس على موضع الضرورة إنما يلزمه كفارة مخيرة كما قدمناه ذكره الإمام ابن أمير حاج الحلبي في مناسكه فليحفظ هذا فإن كثيرا من المحرمين يغفل عنه كما شاهدناه .
فالحاصل أنه لا إثم عليه إذا كان لعذر ويأثم إذا كان لغيره وصرحوا بالحرمة ، ولم أر لهم صريحا هل ذبح الدم أو التصدق مكفر لهذا الإثم مزيل له من غير توبة أو لا بد منها معه وينبغي أن يكون مبنيا على الاختلاف في الحدود هل هي كفارات لأهلها أو لا هل يخرج الحج عن أن يكون مبرورا بارتكاب هذه الجناية ، وإن كفر عنها أو لا الظاهر بحثا لا نقلا أنه لا يخرج [ ص: 15 ] والله أعلم بحقيقة الحال . وقيد بالعذر ; لأنه لو فعل شيئا منها لغيره لزمه دم أو صدقة معينة ، ولا يجزئه غيره كما صرح به الإمام الإسبيجابي وبهذا ظهر ضعف ما قدمناه عن الظهيرية من أنه إن لم يقدر على الدم يصوم ثلاثة أيام ، ولم أره لغيرها ، وإنما لم يقيد المصنف ذبح الشاة بالحرم مع أنه مقيد به اتفاقا لما سنبينه في باب الهدي أن الكل مختص بالحرم فإن الحرم ) لا يجزئه عن الذبح إلا إذا تصدق بلحمه على ستة مساكين على كل واحد منهم قدر قيمة نصف صاع من حنطة فإنه يجوز بدلا عن الإطعام كذا ذكره ذبح في غيره ( الإسبيجابي ، ولا يختص بزمان اتفاقا .
وأشار بقوله ذبح إلى أنه يخرج عن العهدة بالذبح حتى لو فإنه لا شيء عليه بخلاف ما إذا سرق ، وهو حي فإنه يلزمه غيره . هلك المذبوح بعده أو سرق
ومقتضاه جواز الأكل منه كهدي المتعة والقران والأضحية لكن الواقع لزوم التصدق بجميع لحمه كما سيأتي في بابه ; لأنه كفارة فالحاصل أن له جهتين جهة الإراقة وجهة التصدق فللأولى لا يجب غيره إذا سرق مذبوحا وللثانية يتصدق بلحمه ، ولا يأكل منه كذا في فتح القدير ، وأطلق في التصدق والصوم فأفاد أن له التصدق في غير الحرم ، وفيه على غير أهله . قال : في المحيط مكة أفضل ، وإنما لم يتقيد والتصدق على فقراء بالحرم لإطلاق النص بخلاف الذبح ; لأن النسك في اللغة الدم المهراق بمكة ويقال للمذبوح لوجه الله تعالى ويقال لكل عبادة ، ومنه قوله تعالى : { إن صلاتي ونسكي } كما في المغرب .
وأشار المصنف بلفظ التصدق الموافق للفظ الصدقة المذكورة في الآية إلى أن طعام الإباحة لا يكفي ; لأن التصدق ينبئ عن التمليك لقوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة } وحكى خلافا في المجمع بين أبي يوسف فعند ومحمد تكفي الإباحة ، وعند أبي يوسف لا بد من التمليك ورجح في غاية البيان قول محمد بأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الصدقة بالإطعام هنا فكان ككفارة اليمين وتعقبه في فتح القدير بأن الحديث ليس مفسرا لمجمل بل مبين للمراد بالإطعام ، وهو حديث مشهور عملت به الأمة فجازت الزيادة به ثم المذكور في الآية الصدقة ، وتحقق حقيقتها بالتمليك فيجب أن يحمل في الحديث الإطعام على الإطعام الذي هو الصدقة ، وإلا كان معارضا ، وغاية الأمر أنه يعتبر بالاسم الأعم . انتهى . فالحاصل ترجيح قول أبي يوسف رحمه الله ولهذا قيل إن قول محمد رحمه الله كقوله كما في الظهيرية لكن ذكر أبي حنيفة الإسبيجابي أن مع أبا حنيفة رحمهما الله ، وأفاد أبي يوسف المصنف بإطلاقه أن الصوم يجوز متفرقا ، ومتتابعا كما صرح به الإسبيجابي .
والأصوع على وزن أرجل جمع صاع وظاهر كلامهم أنه لا بد من التصدق على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع حتى لو تصدق بالثلاثة على أقل من ستة أو على أكثر منها بها فإنه لا يجوز ; لأن العدد منصوص عليه في الحديث وينبغي على القول بجواز الإباحة أنه لو يجوز أخذا من مسألة الكفارات ، والله سبحانه وتعالى أعلم . غدى مسكينا واحدا ، و عشاه ستة أيام
[ ص: 14 ]