( باب الإحصار ) .
هو والفوات من العوارض النادرة فأخرهما ، وقدم الإحصار ; لأنه وقع له عليه السلام دون الفوات واختلف في معناه اللغوي فقيل الإحصار للمرض والحصر للعدو ، وعليه فقوله تعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } لبيان حكم المرض ، وألحق به الحصر بالعدو دلالة بالأولى ; لأن منع العدو حسي لا يتمكن معه من المضي بخلافه مع المرض إذ يمكن بالمحمل والمركب والأكثر على أن الإحصار هو المنع سواء كان من خوف أو مرض أو عجز أو عدو واختاره في الكشاف ، وفي المغرب الحصر المنع من باب طلب يقال أحصر الحاج إذا منعه خوف أو مرض من الوصول لإتمام حجته أو عمرته ، وإذا منعه سلطان أو مانع قاهر في حبس أو مدينة قيل حصر ، هذا هو المشهور ، وفي الشريعة هو منع الوقوف والطواف ( قوله : لمن أن يبعث شاة تذبح عنه فيتحلل ) لما تلونا من الآية ، وأفاد بذكر اللام [ ص: 58 ] دون على أنه لو صبر ورجع إلى أهله بغير تحلل إلى أن يزول الخوف فإنه جائز فإن أدرك الحج ، وإلا تحلل بالعمرة فالتحلل بذبح الهدي إنما هو للضرورة حتى لا يمتد إحرامه فيشق عليه كما ذكره الشارح فما وقع في المبسوط من التعبير بعلى في غير محله . أحصر بعدو أو مرض
وأشار بذكر العدو والمرض إلى كل منع فيكون محصرا بهلاك النفقة ، وموت محرم المرأة أو زوجها في الطريق وشرط في التجنيس عدم القدرة على المشي فيما إذا سرقت النفقة فإن قدر عليه فليس بمحصر ، وعلله في المبسوط بأنه لا يبعد أن لا يلزمه المشي في الابتداء ويلزمه بعد الشروع كما لا تلزمه حجة التطوع ابتداء ويلزمه الإتمام إذا شرع فيها ، وجعل في المحيط ما في التجنيس قول ، وقال : محمد إن قدر على المشي في الحال وخاف أن يعجز جاز له التحلل ، ومن الإحصار ما إذا أبو يوسف ; لأن المنع الشرعي آكد من المنع الحسي ، ومنه ما إذا أحرمت المرأة بغير زوج أو محرم فلا تحل إلا بالدم لكن للزوج أن يحللها بغير الهدي بأن يصنع بها أدنى ما يحرم على المحرم كقص ظفر أحرمت للتطوع بغير إذن الزوج ، وذكر القولين في المحيط من غير ترجيح وينبغي ترجيح الكراهة لتصريحهم بالكراهة في إجازة نكاح الفضولي بالجماع ودواعيه ، وعليها هدي الإحصار ، وقضاء حجة وعمرة إن لم تحج في هذه السنة ، وإلا فالحج كاف ، ولا تحتاج إلى نية القضاء ; لأنه لزمها حجة هذه السنة ، وأنها متعينة فلا تفتقر إلى النية المتعينة ، ومنه ما إذا واختلفوا في كراهة تحليلها بالجماع وللمولى أن يحلله بغير هدي ، وعلى العبد هدي ، وقضاء حجة وعمرة بعد العتق ، وإن أحرم بإذنه كره له أن يحلله وصح ; لأن اللزوم ، ولم يظهر في حق السيد ; لأن منافعه مملوكة للسيد وبالإذن صار معيرا منافعه وللمعير أن يسترد ما أعار بخلاف أحرم العبد بغير إذن مولاه فإنه ليس له أن يحللها ; لأن منافعها مملوكة لها حقيقة ، وإنما للزوج فيها حق ، وقد أسقط حقه بالإذن ، وأما إذا المنكوحة إذا أحرمت بإذن الزوج اختلفوا فاختار في المحيط ، وفتاوى أحرم العبد بإذن المولى ثم أحصر بعدو أو مرض قاضي خان أنه لا يجب دم الإحصار على المولى ، وإنما يجب على العبد بعد الإعتاق واختار الإسبيجابي وجوبه على المولى بمنزلة النفقة وذكر القولين في معراج الدراية وينبغي ترجيح الأول لما أنه عارض لم يلتزمه المولى بخلاف النفقة ، وإنما كان الواجب الشاة ; لأن المنصوص عليه هو ما استيسر من الهدي ، وأدناه شاة ، وليس المراد به بعث الشاة بعينها ; لأن ذلك قد يتعذر بل له أن يبعث بقيمتها حتى يشترى بها شاة فتذبح في الحرم .
وأفاد باقتصاره على بعث الشاة أنه لو لم يجد ما يذبح لا يقوم الصوم أو الإطعام مقامه بل يبقى محرما إلى أن يجد أو يطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق كما في الخانية وغيرها ، وأفاد بالفاء التي للتعقيب في قوله فيتحلل إلى أنه لا يتحلل إلا بالذبح ; ولهذا قالوا إنه يواعد من يبعثه بأن يذبحها في يوم معين فلو كان عليه ما على الذي ارتكب محظورات إحرامه لبقاء إحرامه كذا في النهاية ، وأفاد بذكر التحلل بعد الذبح إلى أنه لا حلق عليه ، ولا تقصير ، وهو قول ظن أنه ذبح هديه ففعل ما يفعله الحلال ثم ظهر أنه لم يذبح أبي حنيفة ، وإن حلق فحسن ، وقال ومحمد عليه أن يحلق ، وإن لم يحلق فلا شيء عليه ، وأطلقه في الهداية فشمل ما إذا أحصر في الحل أو أبو يوسف الحرم ، وقيده المصنف في الكافي بما إذا أحصر [ ص: 59 ] في الحل أما إذا الحرم فيحلق اتفاقا وينبغي أن لا خلاف فإنهما قالا : بأنه حسن ، وهو قال : باستحبابه ، ولم يقل بوجوبه بدليل أنه قال : وإن لم يفعل فلا شيء عليه كما في الخبازية ، ومعراج الدراية . أحصر في
( قوله : ولو قارنا بعث دمين ) أي لو كان فإنه يبعث دما لعمرته ودما لحجته ; لأنه محرم بهما أطلقه فأفاد أنه لا يحتاج إلى تعيين الذي للعمرة والذي للحج كما في المبسوط ، وأفاد أنه لو بعث بهدي واحد ليتحلل عن أحدهما ويبقى في الآخر لم يتحلل عن واحد منهما ; لأن التحلل منهما لم يشرع إلا في حالة واحدة فلو تحلل عن أحدهما دون الآخر يكون فيه تغيير للمشروع ، ولو بعث بثمن هديين فلم يوجد بذلك المحصر قارنا بمكة إلا هدي واحد فذبح عنه فإنه لا يتحلل لا عنهما ، ولا عن أحدهما ، وأشار إلى أنه لو فإنه يتحلل بذبح هديين في أحرم بعمرتين أو بحجتين ثم أحصر قبل السير الحرم بخلاف ما إذا أحصر بعد السير فإنه يصير رافضا لأحدهما به كما قدمناه في الباب السابق ، وأشار بالاكتفاء بالبعث في المفرد والقارن إلى أنه إذا بعث الهدي إن شاء رجع ، وإن شاء أقام إذ لا فائدة في الإقامة ( قوله : ويتوقف بالحرم لا بيوم النحر ) يعني فيجوز ذبحه في أي وقت شاء لإطلاق قوله تعالى { فما استيسر من الهدي } من غير تقييد بالزمان ، وأما تقييده بالمكان فبقوله تعالى { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } أي مكانه ، وهو الحرم فكان حجة عليهما في قياس الزمان على المكان فلو ذبح في الحل فحل على ظن الذبح في الحرم فهو محرم كما كان ، ولا يحل حتى يذبح في الحرم ، وعليه الدم لتناول محظورات إحرامه كذا ذكره الإسبيجابي أطلقه فشمل إحرام الحج ، وإحرام العمرة لكن لا خلاف أن المحصر بالعمرة لا يتوقف ذبحه باليوم ، وفي المحيط جعل المواعدة المتقدمة إنما يحتاج إليها على قول ; لأن دم الإحصار عنده لا يتوقف باليوم فلا يصير وقت الإحلال معلوما للمحصر من غير مواعدة ، ولا يحتاج إليها أبي حنيفة عندهما ; لأن دم الإحصار مؤقت عندهما بيوم النحر فكان وقت الإحلال معلوما . ا هـ .
وفيه نظر ; لأنه موقت عندهما بأيام النحر لا باليوم الأول فيحتاج إلى المواعدة لتعيين اليوم الأول أو الثاني أو الثالث ، وقد يقال يمكنه الصبر إلى مضي الأيام الثلاثة فلا يحتاج إليها .