وفرق في الذخيرة بين أنت بائن للمبانة وبين وقوع أنت بائن المعلق بعد الإبانة أنه لما صح التعليق أو لا لكونها محلا له جعلنا المعلق الطلاق البائن وصار بائنا صفة للطلاق ، والمعلق بالشرط كالمنجز عند وجوده فكأنه ولو قاله وقع بخلاف أنت بائن منجزا في عدة المبانة لأنه صفة للمرأة وهي لم تكن محله لأن محله من قام به الاتصال ، وقد انقطعت الوصلة بالإبانة ، والمضاف كالمعلق حتى لو قال في العدة أنت طالق بائن وقعت أخرى ولو قال لها أنت بائن غدا ناويا الطلاق ثم أبانها ثم جاء الغد فإنه يقع أخرى كذا في الذخيرة وهو بيان لما إذا كانا معلقين قيدنا بكونه معلقا قبل المنجز لأنه لو علق البائن المنجز لم يصح التعليق كالتنجيز كما قدمناه عن البدائع وهي واردة على الكتاب وشمل كلامه ما إذا قال لها : إن دخلت الدار فأنت بائن ناويا ثم قال : إن كلمت زيدا فأنت بائن ناويا ثم دخلت الدار ووقعت الطلقة ثم كلمت زيدا آلى من زوجته ثم أبانها قبل مضي أربعة أشهر ثم مضت أربعة أشهر قبل أن يقربها وهي في العدة
فإنه يقع عندنا خلافا وأورد علينا مسألتان إحداهما لو لزفر فإنه لا يقع شيء إجماعا الثانية لو قال : إذا جاء غد فاختاري ثم أبانها فاختارت نفسها في العدة لا يصير مظاهرا إجماعا وهما حجة علق الظهار بشرط في الملك بأن قال : إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم أبانها فدخلت في العدة علينا وأجيب بأنه في الأولى ملكها الطلاق غدا ولما أبانها أزال ملكه للحال من وجه وبقي من وجه ، والملك من وجه لا يكفي للتمليك ويكفي للإزالة كما في الاستيلاد ، والتدبير المطلق حتى لا يجوز بيعهما ويجوز إعتاقهما كذا هذا ولأن المعتبر في التخيير اختيارها لأجانب الزوج ، وفي التعليق اليمين لا وجود الشرط بدليل أنهما لو شهدا بالتخيير وآخران بالاختيار ثم رجعوا فالضمان على شاهدي الاختيار لا التخيير ، ولو شهدا بالتعليق وآخران بوجود الشرط ثم رجعوا فالضمان على شاهدي التعليق لا الشرط وعن الثانية بأن الظهار يوجب حرمة موقتة بالكفارة ، وقد ثبتت الحرمة بالإبانة من كل وجه فلا تحتمل التحريم بالظهار بخلاف الكناية المنجزة لأنها توجب زوال الملك من وجه دون وجه قبل انقضاء العدة فلا تمنع ثبوت حكم التعليق وتمامه في البدائع وكذا لو زفر بطل التخيير حتى لو قالت بعدها اخترت [ ص: 334 ] نفسي لم يقع كذا في الذخيرة ، والظهيرية ثم قال في الظهيرية ، وفي الأمالي قال لها اختاري ناويا ثم أبانها عند قال لها : أمرك بيدك إذا شئت ثم طلقها واحدة بائنة ثم تزوجها فاختارت نفسها طلقت وقال أبي حنيفة لا تطلق لأن الزوج فعل بنفسه ما فوض إليها فيكون إخراجا للأمر من يدها وجه قول أبو يوسف أن التفويض قد صح وتعلق حقها به فلا يبطل بزوال الملك وما قاله أبي حنيفة ضعيف لأن الطلاق متعدد فلا يتعين ما أوقعه الزوج لما فوض إليها كما لو أبو يوسف لا ينعزل الوكيل ا هـ . قال لغيره بع قفيزا من هذه الصبرة ثم باع بنفسه قفيزا
وهذا لا يخالف ما نقلناه آنفا عن البدائع لأن ما في البدائع محمول على ما إذا لم يتزوجها فلا يقع في العدة وما في الظهيرية صريح في أنه تزوجها ، وفي البزازية من الأمر باليد جعل أمرها بيدها في طلاق إن فعل كذا متى شاءت ثم خلعها على مال ثم وجد الشرط وهي في العدة تملك الإيقاع ، وإن مضت ثم تزوجها ووجد الشرط ذكر في الزيادات ما يؤخذ منه جوابه وهو عدم الوقوع ، وفي القنية لا يبقى الأمر في يدها في ظاهر الرواية وحاصل ما ذكره المصنف أن ، وقد نظمها الطلاق في العدة اللاحق ، والسابق أربع صور الشيخ سعد الدين الدبري رحمه الله فقال :
وكل طلاق بعد آخر واقع سوى بائن مع مثله لم يعلق
وتعقبه والد شارح المنظومة بأن قوله لم يعلق مطلق يشمل البائن الأول ، والثاني ، والمراد الأول لا الثاني فهو إطلاق في محل التقييد فقلت بيتا مفردا من الرجزكلا أجز لا بائنا مع مثله إلا إذا علقه من قبله
قال شارح المنظومة عبد البر رحمه الله قلت : وقد فات الشيخين التنبيه على أن ذلك خاص بالعدة ، وإن كان ذلك من المعلوم من خارج لأن تمام معنى الضابط متوقف عليه فقلت منبها على ذلك بيتا مفردا من الرجز
بعدة كل طلاق لحقا لا بائن لمثله ما علقا
وقيد المؤلف بكون السابق طلاقا لأنه لو كان فرقة بغير طلاق كالفرقة بخيار البلوغ أو العتاقة بعد الدخول فإنه لا يقع الطلاق في عدته وكل فرقة توجب الحرمة المؤبدة لا يلحقها الطلاق لا يقع على الآخر طلاقه كذا [ ص: 335 ] في البزازية وإذا وإذا أسلم أحد الزوجين لم يقع لانقطاع العصمة . ارتد ولحق بدار الحرب فطلقها في العدة
فإن عاد إلى دار الإسلام وهي في العدة وقع وإذا ارتدت ولحقت لم يقع عليها طلاقه فإن عادت قبل الحيض لم يقع كذلك عند لبطلان العدة باللحاق ثم لا تعود بخلاف المرتد كذا في البدائع ، وفي الذخيرة . أبي حنيفة
والحاصل أن كل فرقة هي فسخ من كل وجه لا يقع الطلاق في عدتها وكل فرقة هي طلاق يقع الطلاق فيها في العدة ا هـ .
وقدمنا شيئا منه في أول كتاب الطلاق والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع ، والمآب .