( قوله : ناويا ) أي يتيمم ناويا وهي من شروطه والنية والقصد الإرادة الحادثة ; ولهذا لا يقال لله تعالى ناو ولا قاصد كذا في المستصفى وشرطها أن يكون المنوي عبادة مقصودة لا تصح إلا بالطهارة أو الطهارة أو استباحة الصلاة أو رفع الحدث أو الجنابة وما وقع في التجنيس من أن هي نية التطهير ، وهو الصحيح فلا ينافيه لتضمنها نية التطهير ، وإنما اكتفى بنية التطهير ; لأن الطهارة شرعت للصلاة وشرطت لإباحتهما فكانت نيتها نية إباحة الصلاة حتى لو تيمم لتعليم الغير لا تجوز به الصلاة في الأصح كذا في معراج الدراية فلو تيمم لصلاة الجنازة أو سجدة التلاوة جاز له أن يصلي سائر الصلوات ; لأن كلا منهما قربة مقصودة النية المشروطة في التيمم
والمراد بالقربة المقصودة أن لا تجب في ضمن شيء آخر بطريق التبعية ولا ينافي هذا ما ذكر في الأصول من أن سجدة التلاوة ليست بقربة مقصودة حتى لو تلاها في وقت مكروه جاز أن يؤديها في وقت مكروه آخر بخلاف الصلاة المفروضة إذا وجبت في وقت ناقص لا تؤدى في ناقص آخر ; لأن النفي والإثبات ليس من جهة واحدة بل من جهتين والمراد مما ذكر هنا أنها شرعت ابتداء تقربا إلى الله تعالى من غير أن تكون تبعا لغيرها بخلاف دخول المسجد ومس المصحف والمراد بما في الأصول أن هيئة السجود ليست بمقصودة لذاتها عند التلاوة بل لاشتمالها على التواضع المحقق لموافقة أهل الإسلام ومخالفة أهل الطغيان فلهذا قلنا لا يختص إقامة الواجب بهذه الهيئة بل ينوب الركوع في الصلاة على الفور منابها كذا في معراج الدراية تبعا للخبازية وصرحوا بأنه لو ولو من المصحف أو مسه أو زيارة القبور أو [ ص: 158 ] دفن الميت أو الأذان أو الإقامة أو السلام أو رده أو الإسلام لا تجوز الصلاة بذلك التيمم عند عامة المشايخ ; لأن بعضها ليست بعبادة مقصودة والإسلام وإن كان عبادة مقصودة لكن يصح بدون الطهارة هكذا أطلقوا في قراءة القرآن المنع تيمم لدخول المسجد أو القراءة
وفي المحيط أطلق الجواز وسوى بين صلاة الجنازة وسجدة التلاوة وقراءة القرآن وفي السراج الوهاج الأصح أنه لا يجوز له أن يصلي إذا تيمم لقراءة القرآن والحق التفصيل فيها ، فإن تيمم لها ، وهو جنب جاز له أن يصلي به سائر الصلوات كذا في البدائع وغاية البيان ولم يفصلا في دخول المسجد بين أن يكون جنبا أو محدثا مع أن كلا منهما تبع لغيره ، وهو الصلاة فالأولى أن يقال الشرط كون المنوي عبادة مقصودة أو جزأها ، وهو لا يحل إلا بالطهارة فالقراءة جزء من العبادة المقصودة إلا أنه إن كان جنبا وجد الشرط الأخير ، وهو عدم حل الفعل إلا بالطهارة فكمل الشرط فجازت الصلاة به ، وإن كان محدثا عدم الشرط الأخير ولم تجز الصلاة به وخرج التيمم لدخول المسجد مطلقا أما إن كان للحدث فظاهر لفوات الشرطين ، وأما للجنابة فهو ، وإن وجد الشرط الأخير ، وهو عدم الحل إلا أنه عدم الشرط الأول ، وهو كونه عبادة مقصودة أو جزأها وخرج التيمم لمس المصحف مطلقا ، فإنه ، وإن كان لا يحل إلا بها إلا أنه ليس بعبادة مقصودة ولا يقال إن دخول المسجد عبادة ، وإن لم يكن للصلاة بل للاعتكاف ; لأنا نقول العبادة هي الاعتكاف ودخول المسجد تبع له فكانت عبادة غير مقصودة ولو تيمم لسجدة الشكر لا يصلي به المكتوبة وعند يصليها بناء على أنها قربة عنده وعندهما ليست بقربة كذا في التوشيح وفي فتح القدير ، فإن قلت ذكرت أن نية التيمم لرد السلام لا تصححه على ظاهر المذهب مع { محمد } على ما أسلفته في الأول ، فالجواب إن قصد رد السلام بالتيمم لا يستلزم أن يكون نوى عند فعل التيمم التيمم له بل يجوز كونه نوى ما يصح معه التيمم ثم يرد السلام إذا صار طاهرا ا هـ . أنه عليه السلام تيمم لرد السلام
ولقائل أن يمنع عدم صحة كما زعمه ; لأن المذهب أن التيمم للسلام صحيح ، وإنما الكلام في جواز الصلاة به ; ولهذا قال التيمم للسلام قاضي خان في فتاويه
ولو تيمم للسلام أو لرده لا يجوز له أداء الصلاة بذلك التيمم ولم يقل لا يجوز تيممه فعلم أن جواز الصلاة به حكم آخر لا تعلق له بما فعله عليه السلام ، فإنه تيمم للسلام عند فقد الماء ولا شك في صحته قال النووي في شرح مسلم : وهذا الحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم كان عادما للماء حال التيمم ، فإن التيمم مع وجود الماء لا يجوز للقادر على استعماله ا هـ .
وعلى أصولنا لا حاجة إلى هذا الحمل ، فإن عندنا ما يفوت لا إلى خلف يجوز التيمم له مع وجود الماء كصلاة الجنازة ولا شك أن رد السلام منه بناء على أنه عليه السلام لا يذكر الله تعالى إلا على طهارة بل عندنا ما هو أعم من ذلك ، وهو أن ما ليست الطهارة شرطا في فعله وحله ، فإنه يجوز التيمم له مع وجود الماء كدخول المسجد للمحدث ; ولهذا قال في المبتغى بالغين المعجمة ويجوز فيه ا هـ . التيمم لدخول مسجد عند وجود الماء وكذا للنوم
وتجويز أن يكون النبي عليه السلام نوى معه ما يصح معه التيمم خلاف الظاهر كما لا يخفى ثم لا يخفى أن قولهم بجواز الصلاة بالتيمم لصلاة الجنازة محمول على ما إذا لم يكن واجدا للماء كما قيده في الخلاصة بالمسافر أما إذ يتيمم لها مع وجوده لخوف الفوت ، فإن تيممه يبطل بفراغه منها ومما تقدم علم أن نية التيمم لا تكفي [ ص: 159 ] لصحته على المذهب خلافا لما في النوادر ولا اعتماد عليه بل المعتمد اشتراط نية مخصوصة هي ما قدمناه لكن لا دليل عليه ; لأن قوله تعالى { فتيمموا صعيدا طيبا } إنما يدل على قصد الصعيد المترتب عليه المسح فلا يكون موجبا غير النية المعتبرة كذا في فتح القدير ويمكن أن يقال إن المراد قصد الصعيد لأجل الصلاة بقرينة قوله { فلم تجدوا } ففيه الإنباء عن المشروط كما لا يخفى ولا تشترط نية التمييز بين الحدث والجنابة حتى لو تيمم الجنب يريد به الوضوء أجزأه هكذا روي عن نصا كما نقله في التجنيس محمد
وذكر الجصاص أنه لا حاجة إلى نية التطهير بل لا بد من التمييز ; لأن التيمم لهم يقع على صفة واحدة فيميز بالنية كصلوات الفرائض وليس بصحيح ; لأن الحاجة إلى النية ليقع التيمم طهارة فإذا وقع طهارة جاز له أن يؤدي ما شاء ; لأن الشروط يراعى وجودها لا غير ألا ترى أنه لو تيمم للعصر يجوز أداء الظهر به بخلاف الصلوات كذا في الخبازية وغيرها ولا يخفى أن قول لو تيمم الجنب يريد به الوضوء معناه يريد به طهارة الوضوء لما علمت من اشتراط نية التطهير وبما تقرر علم أن ما في القنية من قوله بقي على جسد الجنب لمعة ثم أحدث وتيمم لهما جاز وينوي لهما ; لأنه إذا نوى لأحدهما يبقى الآخر بلا نية مبني على قول محمد كما لا يخفى . أبي بكر الجصاص